استحالة اجتماع النقيضين ، وجد أو لم يوجد مدرك في العالم.
وإن كان مرادهم من اعتبارية هذه القضايا أنّ الذهن ينساق إليها بسبب نكتة قائمة في الموضوع نفسه ، أي : نفس القضيّة المفكّر فيها ، وليس في الفكر وفسلجته الذاتيّة ، إذن فقد انحصر الاختلاف بين القضيتين ، في أنّه يرجع إلى نكتة خارجيّة عنّا فتلك النكتة لا بدّ أن تكون هي النكتة الواقعيّة والثابتة في لوح الواقع بنفسها وذاتها ، وإنّ خارجيتها وواقعيتها بالذات لا بالوجود ، كما في اجتماع النقيضين ، والأعدام ، فإنّها خارجية وواقعيّة بنفسها لا بوجودها ، بل لا يمكن أن تكون خارجية بوجودها ، وهذا أحد المسالك لإبطال مقالة من يحصر الخارج بالمادة وظواهر المادة (١) ، إذ لا يمكنه أن يفسر لنا هذه العوارض حيث أنه من الضروري صدق قضيّة «أنّ مساوي المساوي مساو» بقطع النظر عن وجود أيّة مادة ، إذ إنّها قضيّة خارجية ، لا مادية ، ولا قائمة بمادة.
وقد عرفت بأنّ هذا معناه ، أنّ الواقعيّة والخارجية أوسع من المادية ، إذ لوح الواقع أوسع من لوح الوجود ، وكذلك عرفت بطلان مقالة المحقق الطوسي «قده» في دفع هذا الإشكال ، من نقل القضيّة من الذهن بالمعنى المتقدم ، إلى معنى آخر سمّاه بالعقل الأول ـ أي : الواجب ، وأنّ هذه الأعراض ثبوتها وعروضها إنما تكون في العقل الأول ، فهي ثابتة بثبوته ، وليس بوجود موضوعها في الخارج.
وقد عرفت أنّ هذه الأعراض ثابتة وواقعيّة حتى لو لم يكن هناك وجود للعقل الأول والواجب ، بل حتى المنكر لوجود الواجب يتقبّل صدق هذه القضايا ، إذ صدق استحالة اجتماع النّقيضين قضية ثابتة وحقة حتى في عالم يفترض فيه عدم وجود واجب الوجود ، ولو محالا.
__________________
(١) مقالة في التفكير الإنساني ـ جون لوك ـ فيلسوف إنكليزي ـ والمادية والمثالية في الفلسفة ـ جورج بوليتزير : ص ٧١ ـ ٧٢ ـ ٧٥ ـ وحول التطبيق ـ ماوتسي تونغ : ص ١١ ـ ١٤.