يتعلق بالطبيعة ابتداء ، فالشيء الثالث يكون هو الرابطة والواسطة التي ندسّها في الطبيعة ، وهو وجود ما هو مدلول الهيئة ، وهو الطبيعة.
وبعبارة أخرى : الهيئة تدل على وجود الطبيعة.
وهذا الكلام إنّما كان باعتبار الحاجة لمبرّر لدس المفهوم الثالث في مدلول مادة الأمر.
أو فقل : إنّ دسّ مفهوم الإيجاد ، أو الوجود ، في مدلول مادة الأمر ، بحاجة إلى مبرر ، والمبرّر هذا يقرب بتقريبات :
١ ـ التقريب الأول : هو إنّ الطبيعة بما هي هي ، ليست موردا لغرض الآمر ، لأنّها حاضرة في ذهنه ، بل طلبها لغو لأنّه تحصيل للحاصل ، والطبيعة الموجودة هي أيضا لا يتعلق بها الطلب ، لكونها موجودة ، فطلبها تحصيل للحاصل أيضا. إذن فلا بدّ من تعلق الطلب بوجود الماهيّة ، ومن هنا دسّ مفهوم الإيجاد في مدلول الهيئة.
وهذا المبرر باطل ، لما عرفت من أنّ الماهيّة بما هي هي ، وإن لم تكن موردا لغرض المولى ، لأنّها أمر اعتباري ، لكن عند ما تلحظ فانية في الخارج ، أي : الماهية بالحمل الأوّلي ، تصبح حينئذ موردا لغرض المولى ، ويتعلّق طلبه بها ، لأنّ المفهوم بالحمل الأوّلي ، لا يصدق إلّا على المصداق الخارجي ، دون الصورة الذهنية نفسها ، أي : الماهية بما هي هي ، لأنّ الماهية بما هي هي ، ليست إلّا هي ، لا تطلب ، ولا لا تطلب ، وبالتالي فهي ليست مصداقا لنفسها ، ولذلك يكون امتثال الطلب بإيجاد المصداق الخارجي.
وبهذا نستغني عن توسيط الوجود ودسّه في مفاد الأمر ، وإلّا لسرى الإشكال إلى الوجود المدسوس نفسه ، لأنّه إن أريد به مفهوم الوجود ، فحاله حال الماهيّة ، فما دام لم يلحظ فانيا في الخارج ، فلا يتعلّق به الطلب إذن فلا حاجة لتبعيد المسافة.