وأمّا حقيقة الوجود ، فليست من مداليل الألفاظ ، وحينئذ لا موجب لدسّه في مفاد الأمر من هذه لناحية.
٢ ـ التقريب الثاني : هو أن يقال : بأنّ الماهيّة ، بما هي هي ، ليست إلّا هي ، لا موجودة ولا معدومة ، لا تطلب ، ولا لا تطلب ، كما ذكر في الحكمة ، وعليه فيستحيل تعلق الطلب بها ، وحينئذ تعلّقه بها يحتاج إلى وسيط ، وليس هذا الوسيط إلّا الوجود ، فندسّه في الطبيعة ليتعلق الطلب بها.
وهذا الكلام هو خلط بين مطلب ومصطلح في الحكمة ، وبين محل الكلام ، حيث أنّ الحكماء قالوا هذا عند ما تصوروا أنّ الماهيّة إذا لوحظت من حيث مرتبة ذاتها ، فلا يثبت لها إلّا ذاتها وذاتياتها ، وأيّ شيء يثبت لها في مرتبة ذاتها من جنس ، وفصل ، ونوع ، لا بدّ أن يكون ذاتيا لها ، فهي في مرتبة ذاتها وذاتياتها ، ليست إلّا هي ، وأيّ أمر أو عرض آخر خارج عن هذه الذات ، لا تكون متصفة به في هذه المرتبة ، وبالتالي فهو ليس من ذاتياتها.
إذن فالماهية بما هي هي ، في مرتبة ذاتها وذاتياتها ، ليست إلّا هي.
ولكن رغم هذا نقول : إنّ كلا النقيضين ، وهما أنها لا موجودة ولا معدومة ، غير ثابت لها ، لأنّ وجودها وعدمها ليسا جنسا ، ولا فصلا لها ، ولا غيره.
وفي محل الكلام ، لا نقول : إنّ الطلب يثبت لها من حيث كونها مطلوبة في مرتبة ذاتها حيث يصبح الطلب جزءا من ذاتها ، بل نقول : إنّ الطلب يثبت لها بحدّ ذاتها ، وبما هي هي. وعند ما يؤخذ قيد «بما هي هي» لتحديد الموضوع المعروض في نفسه ، وإنّه مرحلة الذات والذاتيات ، حينئذ يقال : بأنّها مطلوبة دون أن يعني عروض الطلب عليها ، أنّها في مرحلة ذاتها أصبحت مطلوبة ، وصار الطلب جزءا من ذاتها ، فمصطلح «بما هي هي» قيد لتحديد المعروض ، وأنّه مرحلة الذات والذاتيات ، وليس لبيان ظرف الحمل ، هو غير «بما هي هي» ، الأخرى ، التي تعني أنّ الطلب ليس من ذاتياتها.