وإن شئت قلت : إنّ الفلاسفة قالوا هذا وتصوروا أنّ الماهية إذا لوحظت في مرحلة ذاتها وذاتياتها فهي ليست إلّا هي ، وأيّ شيء يثبت لها في هذه المرتبة ، لا بدّ أن يكون ذاتيا لها ، سواء أكان جنسا ، أو نوعا ، أو فصلا.
وأمّا بقية الأمور والعوارض الخارجة عن ذاتها ، فهي ليست من ذاتياتها ، إذ الماهية في مرحلة ذاتها وذاتياتها ، ليست إلّا هي.
وهذا مطلب معقول خلاصته : تحديد مرحلة ذات وذاتيات الماهية ، ولكن الأصوليين استعملوا هذا المصطلح ، وطبّقوه بشكل خاطئ ، حيث تصوروا أنّ الماهيّة «بما هي هي» وفي مرحلة ذاتها ، لا يمكن أن يتعلّق أو يعرض عليها طلب ، لأنّها «بما هي هي» ليست مطلوبة ، ولا غير مطلوبة.
وقد غفل الأصوليون أنّ قيد «بما هي هي» إنما قاله الفلاسفة لتحديد المعروض ، ولبيان أنّ المعروض والموضوع ، إنّما هو مرحلة الذات والذاتيات ، وأنّ الطلب ليس جزءا من ذاتها في هذه المرحلة ، وإنما يثبت لها بحدّ ذاتها ، وبما «هي هي» ، فيقال حينئذ : إنّها مطلوبة ، دون أن يعني عروض الطلب عليها ، أنّها في مرحلة ذاتها مطلوبة ، وصار الطلب جزءا من ذاتها.
٣ ـ التقريب الثالث : هو إنّ مدلول الأمر في ، «صلّ» ، هو طلب الصلاة ، ومدلول النهي في ، «لا تصلّ» ، هو طلب ترك الصلاة.
وحينئذ يقال : بأنّه لو لم يكن كل من الوجود والعدم مأخوذا في مدلول الأمر والنهي في «صلّ» ، ولا ، «تصلّ» ، أي : في طلب الصلاة وتركها ، لما أمكن التفريق بين مدلول المادة ومدلول الهيئة فيهما ، مع أنّ نفس المادة ونفس الهيئة موجودة فيهما ، وكلاهما يدلان على طلب الطبيعة.
إذن لا بدّ من أخذ الوجود والعدم في طلب الصلاة والنهي عنها.