فتبقى الدلالة التضمنيّة حجة في أصل الإرادة ، وهو الطلب ، وهو معنى الجواز بالمعنى الأعم ، المتمثل في الاستحباب.
٣ ـ التقريب الثالث : وهو مبني على المسلك المعروف لمدرسة المحقق النائيني «قده» في باب الوجوب والاستحباب ، وهو : إنّ الوجوب ليس مدلولا للّفظ (١) ، وكذلك الاستحباب ، فإنّ مدلول «صلّ الصبح» ، «وصلّ الليل» ، مفادهما واحد ، وهو الطلب ، وإنّ الوجوب في «صلّ الصبح» إنّما يلزم به العقل ، بعد أن ينتزعه من طلب الفعل ، وعدم الترخيص في الترك ، فإنّ المولى كلما تصدّى لطلب فعل دون أن يرخّص في تركه ، يحكم العقل حينئذ بوجوبه.
إذن ، فالوجوب يحصل بضم مطلبين : أحدهما : مدلول اللفظ الذي هو الطلب ، والآخر : عدم ورود ترخيص بالترك من قبل المولى ، كما أنّ الحكم باستحباب «صلاة الليل» أيضا عقلي مبني على أمرين : أحدهما : صدور طلب من المولى ، والآخر : هو الترخيص بالمخالفة.
وبناء على هذا المبنى لا ندري لما ذا لم ينتبه أصحاب هذه المدرسة إلى إمكان إثبات الجواز بالمعنى الأعم ، بعد نسخ الوجوب ، إذ لا يبقى لدليل الوجوب المنسوخ مفاد ، إذا ارتفع الوجوب ، فإنّ الدليل الذي دلّ على نسخ الوجوب يكون بمثابة الدليل على الترخيص لا أكثر ، ويبقى دليل الطلب ، غايته أنّه إلى ما قبل النسخ لم يرد ترخيص ، ومن حين النسخ فصاعدا ورد ترخيص ، والعقل هنا ينتزع الاستحباب.
وإذا تمّ هذا المبنى ، فلا نبقى بحاجة إلى شيء من تبعية الدلالة التضمنيّة ، أو الالتزامية للدلالة المطابقيّة في الحجيّة وعدم التبعيّة ، فلو فرض أن قلنا بتبعية الدلالة الالتزاميّة والتضمنيّة للدلالة المطابقيّة في الحجيّة ، فإنّه على هذا المبنى تسقط جميع الدلالات عن الحجيّة ، وسوف
__________________
(١) فوائد الأصول ـ الكاظمي : ج ١ ص ٧٠ ـ ٧١.