يتعطّل بالتالي التقريب الأول والتقريب الثاني ، دون هذا الثالث ، لأنّنا هنا ، نتمسك بالدلالة المطابقيّة ، وغاية ما يثبته الدليل الناسخ هو الترخيص في الفعل ، ولا ينفي الطلب ، فيكون مدلول الوجوب غير منسوخ أصلا.
نعم ، لو كان لدليل النسخ (١) نظر إلى مدلول دليل المنسوخ ونفيه ، فإنّه حينئذ يرتفع الطلب فعلا عن الوجوب وغيره.
إلّا أنّ هذه عناية زائدة.
وهذا التقريب مع التقريبين السابقين. لا يمكن المساعدة على شيء منها لعدم تماميّة مبانيها.
أمّا الأول : فلأنّ الأصل الموضوعي القائل بعدم تبعية الدلالة الالتزاميّة في الحجيّة للدلالة المطابقيّة غير معقول ، بينما نحن نقول بالتبعيّة ، فإذا سقطت الدلالة المطابقيّة عن الحجيّة تبعتها الدلالة الالتزامية والتضمنية في السقوط عن الحجيّة أيضا ، كما سيأتي تفصيل ذلك في بحث العام والخاص.
وأمّا الثاني : فهو باطل أيضا ، لأنّ بقاء التضمنيّة على الحجيّة دون المطابقيّة ، وإن كنّا نقبله في الجملة ، لكن لا نقبل أن يكون الوجوب مركّبا من طلب الفعل مع المنع من الترك كما هو مذهب الميرزا «قده» (٢) في مدلول الأمر ، كي يطبّق عليه قاعدة عدم تبعيّة الدلالة التضمنيّة في الحجيّة للدلالة المطابقيّة.
وقد أوضحنا ذلك في بحث دلالة الأمر على الوجوب ، وأثبتنا أنّ الوجوب مدلول لفظي ، وليس عقليا.
__________________
(١) بدائع الأفكار ـ الآملي : ج ١ ص ٤١٣.
(٢) فوائد الأصول ـ الكاظمي : ج ١ ص ٧٠ ـ ٧١.