القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، لأنّ الجواز بالمعنى الأعم ، جامع محفوظ في ضمن الوجوب تارة ، وفي ضمن الاستحباب ، أو الكراهة ، أو الإباحة بالمعنى الأخص ، تارة أخرى ، وقد وجد في ضمن حصة وهي الوجوب ، وهذه الحصة يعلم بارتفاعها ، ونشك في بقائه في ضمن حصة أخرى ، وهذا هو استصحاب الكلي من القسم الثالث ، وهو لا يجري.
وهذا الاعتراض غير وارد ، وذلك ، لأنّ الجواز بالمعنى الأعم ليس عبارة عن أمر وجودي محفوظ في ضمن الوجوب تارة وفي ضمن الاستحباب أخرى ، كعنوان الإنسان الذي يحفظ في عدة حصص ، وإنّما الجواز الذي نريد أن نثبته ، هو عبارة عن عدم الحرمة ، إذ المفروض هو التأمين من جهة الحكم التّحريمي ، وعدم الحرمة كان معلوما سابقا ، ولا ينبغي أن يقال : إنّه من القسم الثالث من استصحاب الكلي ، لأنّه لا تحصّص له في ضمن الوجوب تارة ، وفي ضمن الاستحباب أو الكراهة تارة أخرى ، وإنّما هو حصة واحدة تقترن بالوجوب تارة ، وبالاستحباب تارة أخرى ، وهذا لا يجعله متغيرا ولا متعددا بحسب تعدد واختلاف ما قارنه إذ العدم المشكوك هو عين ذلك العدم المتيقّن ، والأثر الذي هو التأمين ، إنّما يترتب على الجواز بمعنى عدم الحرمة ، بينما الجواز بالمعنى الأعم بمعنى آخر ، جامع بين الأحكام الأربعة ، كما أورد السيد الخوئي «قده» ، فإنّه جواز بمعنى أعم ليس موضوعا لأثر عملي.
فالاعتراض إن أريد به أنّ الجواز هو أمر وجودي له حصص ، فإنّنا مضافا إلى أنّنا لا نتصور مثل ذلك الجامع الوجودي ، كما عرفت ، فإنّنا لا نحتاج إلى استصحابه أيضا.
وإن أريد بالجواز بمعنى عدم الحرمة ، فمن الواضح أنّه لا ينطبق عليه القسم الثالث من استصحاب الكلّي. لأن العدم لا يتعدد ، ولا يتحصّص ، ولا يختلف بتعدد واختلاف وتحصص ما يقارنه. وإن قارن الوجوب تارة ، والكراهة تارة أخرى ، وعليه ، فهو من الاستصحاب الشخصي ، وليس الكلي.