نعم قد يتوهم أنّ استصحاب عدم الحرمة ، لا يجري لأنّه معارض باستصحاب آخر ، وذلك لأنّ الواجب بعد نسخ وجوبه علمنا بحدوث أحد الأحكام الأربعة الأخرى فيه ، وتبدّل عدمها بالوجود بعد نسخ الوجوب ، وحينئذ يتعارض عدم الحرمة هذا مع عدم أحد هذه الأحكام الأربعة ، كعدم الاستحباب ، أو مع عدم الكراهة ، وهكذا ، قد يتوهم.
ولكن هذا التوهم غير صحيح ، إذ أقل ما يقال فيها : إنّه حتى لو سلّمنا أنّ الإباحة حكم وجودي في مقابل الأحكام الأخرى ، فإنّ الاستصحاب لا يجري فيها في نفسه ، فضلا عن أن يكون معارضا باستصحاب عدم الحرمة ، وذلك لأنّ الاستصحاب إنّما يجري إذا كان منجزا ، أو معذرا ، لأنّه أصل عملي ، وقد جعل لذلك ، فاستصحاب عدم الحرمة مثلا معذّر ، بينما استصحاب عدم الإباحة بالمعنى الأخص ، ليس بمعذر ، ولا بمنجز ، لأنّه لا يلائم مع الحرمة ، ولا يثبت به الإلزام كي يكون منجّزا.
أمّا كونه غير معذّر فلأنّ نفي الإباحة بالمعنى الأخص ، يلتئم مع الحرمة.
وأمّا كونه ليس بمنجّز ، فلأنّ التنجّز به فرع إثبات الإلزام ، واستصحاب عدم الإباحة لا يثبت الإلزام به إلّا بالأصل المثبت ، وهو كما تعلم حكايته ، ناهيك عن أنّ التنجيز ليس مترتبا على استصحاب عدم الإباحة لو فرض أنّها حكم وجودي ، فكيف بك إذا لم تجعل أصلا ، فإنّه لا يترتّب عليها تنجيز بطريق أولى.
إذن ففي المقام ، حتى لو قلنا بأنّ الإباحة بالمعنى الأخصّ ، حكم وجودي ، وأنّه يوجد في المقام أحكام وجودية أربعة ، وقد علم بحدوث واحد منها ووجوده ، فإنّه رغم هذا كله ، لا يجري استصحاب عدم الإباحة بالمعنى الأخصّ ، لأنّ استصحاب عدم الإباحة بالمعنى الأخصّ ، ليس بمعذّر ، ولا بمنجّز كي يشمله دليل الاستصحاب ، بينما دليل الاستصحاب