٢ ـ النحو الثاني ، هو : أن يكون ترك الآخر مأخوذا في موضوع الأول ، لكن لا باعتباره قيدا شرعيا ، إذ كل منهما ذا ملاك في نفسه سواء ترك الآخر ، أو لا ، لكن لضيق الخناق ، ولعجز المكلف عن الجمع بين الملاكين ، يقيّد المولى بترك الآخر ، لئلا يلزم طلب غير الممكن.
والآن في النحو الأوّل ، لو فرض أنّ المكلف خارجا ، كان عنده «ماء» يمكن أن يشرب منه ، «وطعام» يمكن أن يأكل منه ، لكن لا يمكنه أن يجمع بينهما ، ففي مثل ذلك ، لو أنّ المكلف لم يأكل ولم يشرب ، مع تمكّنه من أحد الأمرين ، حينئذ سوف يحصل لدى المولى ألمان وخسارتان : «ألم الجوع ، وألم العطش» ، وكلاهما بسبب المكلف ، لأنّه كان قادرا على أن لا يؤلم المولى ، لا جوعا ولا عطشا ، وذلك بتقديم أحد الأمرين ، إذ لو قدّم الأكل لشبع ولما عطش ، كذلك أصلا ، ولو قدّم الماء لارتوى ولما جاع أبدا ، إذن فكلتا الخسارتين مستندتان إلى العبد.
وفي مثله يستحق عقابين.
ولا ينبغي أن يقال : بأنّه لا يمكن معاقبته بعقابين ، لعدم تمكّنه من الجمع بينهما.
فإنّه يقال : نعم ، هو صحيح أنّه لا يتمكّن من الجمع بينهما ، لكن كان يمكنه أن يتفادى كلتا الخسارتين ، تارة بالإشباع ، وأخرى بالارتواء.
وأمّا في النحو الثاني : فإنّنا ندرس الحالة في عالم الملاكات ، بقطع النظر عن حالة التكليف ، فنرى أنّ المكلف لو اطّلع على هذه الملاكات ، ولم يأت ، لا بالماء ، ولا بالطعام ، إلى مولاه ، إذن فسوف يلاقي هذا المولى ألمين وخسارتين ، لكن إحدى الخسارتين واقعة على كل حال دون أن يقدر المكلف على دفعها ، وإنّما يقدر على أن لا توجد إحدى الخسارتين لا بعينها ، بل بدلا.