الواجب وحققوه في الخارج ، كان فعل الكل امتثالا واحدا ، ويثاب الجميع على ذلك ، لأنّ الجامع الواجب قد تحقق بفعلهم جميعا ، ويكون فعلهم هذا نظير من وجب عليه تعيينا عتق رقبة فأعتق رقبتين دفعة واحدة.
وبهذا تكون هذه الصيغة الثانية واضحة الصحة ، لكونها مستوفية لكلّ خصائص الوجوب الكفائي.
ولكن قد اعترض على الصيغة الأولى من الفرض الأول باعتراضين :
١ ـ الاعتراض الأول ، هو : إنّ الملاك الذي من أجله جعل هذا الوجوب الكفائي على عهدة أحد المكلّفين ، إن أفترض أنه ملاك واحد ، فمعنى هذا أنّه يناسبه وحدة الوجوب والخطاب أيضا ، ومعنى هذا أنّه لا موجب لتعدّده.
وإن افترض أنّ هذا الملاك متعدد ، بمعنى أنّ فعل كل مكلّف مترتّب على ملاك خاص به ، مناف مع ملاك فعل المكلف الآخر ، ولذلك لا يؤمر المكلّف بالفعل على كل تقدير ، بل يؤمر بالفعل مشروطا بترك المكلّف الآخر له ، احترازا من التنافي بين الملاكات ، إن افترض التعدّد في الملاك هذا ، فالتنافي بين هذه الملاكات إنّما يتعقّل إذا كان الواجب الكفائي سنخ أمر قابل للتكثّر ، كصلاة الميت ، وأمّا إذا كان الواجب الكفائي سنخ أمر واحد لا يقتضي التكثّر ، من قبيل دفن الميّت ، حينئذ لا معنى لتعدد الملاكات.
وجوابه هو : إنّنا نختار أنّ الملاكات متعددة ثبوتا ، ويمكن تصوير التعدّد حتى إذا لم يكن الواجب الكفائي قابلا للتكثّر ، كما في حالة الدّفن ، إذ إنّ الفعل الصادر من «زيد» غير الفعل الصادر من «عمرو». فالصادر من «عمرو» له ملاك ، والصادر من «زيد» له ملاك آخر غيره.
غاية الأمر أنّ الدفن كنتيجة ، «أي : على نحو اسم المعنى المصدري» ، غير متعدّد ، لكن هو من حيث حيثيّة الصدور ، فهو مركز ملاك