توجد تحريمات متعددة بعدد أفراد الطبيعة ، أم إنّه لا توجد إلّا حرمة واحدة كما هو الوجوب المستفاد من الأمر؟.
المعروف إنّ المستفاد من النّهي هو الحرمة بنحو العموم الاستغراقي لكل أفراد الطبيعة ، لا حرمة واحدة ، فيكون هناك تحريمات عديدة بعدد الأفراد ، لا حرمة واحدة. فإذا قيل : لا تكذب ، فهذه الحرمة تنحل إلى تحريمات بعدد أفراد الكذب لا حرمة واحدة. والأثر العملي المميّز لأحد القولين عن الآخر هو أنه بناء على كون المستفاد تحريما واحدا ، لو صدر منه الكذب مرة لا يكون الكذب الثاني منه محرما ، لأنّ الحرمة ارتفعت بالكذب الأول.
وأمّا بناء على كون المستفاد من النهي الانحلال والتعدّد ، فإنّ الكذب الثاني يكون فردا محرما بحرمة أخرى لا تسقط بالعصيان كالكذب الأول ، بناء على دعوى المشهور للاستغراق والتعدّد.
والصحيح هو ما عليه المشهور ، فإنّ النهي بخلاف الأمر ، إذ صيغة الأمر لا يستفاد منها تعدّد الوجوب ، بل وجوب واحد متعلق بصرف وجوده ، على نحو الإطلاق البدلي ، بينما متعلق النّهي يكون شموليا استغراقيا.
إذن فمقدمات الحكمة جارية فيهما معا ، ولكن تختلف باختلافهما ، فهي جارية في متعلق الأمر وبمقتضاها يكون بدليا ، وهي جارية في متعلق النّهي ، وبمقتضاها يكون شموليا.
ومن هنا يسأل ، أنّه : كيف أنتجت مقدمات الحكمة هذا الحكم المختلف ، رغم كون الإطلاق في المدلولين من نتاجها ، وهي واحدة فيهما؟.
وقد عالج السيد الخوئي «قده» (١) هذا الإشكال ، ببيان أنّ هناك مقدارا
__________________
(١) محاضرات فياض : ج ٤ ـ ص ١٠٦ ـ ١١٤.