فالشق الأول منهما باطل أيضا بمقدمة عقليّة ، مفادها : إنّ جميع الصلوات غير مقدور امتثال جميعها عقلا ، إذن لا يمكن إيجاب جميعها ، وحينئذ يتعيّن الشق الثاني ، وهو أن يكون المراد إيجاب الصلاة بنحو الإطلاق البدلي.
المثال الثاني : وهو في متعلقات النواهي ، وذلك كما لو قال : «لا تشرب الخمر» ، أو «لا تكذب» ، فأيضا هنا احتمالات ثلاثة :
أ ـ أن يكون الحرام ، كل كذب كذب بنحو الشمول الاستغراقي ، أي : جميع أفراد الكذب.
ب ـ أن يكون الحرام أحد أفراد الكذب ، لا بعينه ، بحيث يكتفى من المكلف أن يترك كذبا واحدا ، وهو الإطلاق البدلي.
ج ـ أن يكون الحرام مجموعة معينة من الأكاذيب ، من قبيل الكذب على الله ورسوله ، أو الكذب في حالة الصوم.
والشق الثالث من هذه الشقوق ، منتف وباطل بمقدمات الحكمة بصيغتها المشتركة المتقدمة حيث يقال ، إنّه : لو كان مراد المولى تحريم هذه المجموعة ، أو الفئة المعينة من الكذب ـ رغم كونه في مقام البيان ـ لكان عليه أن ينصب قرينة على ذلك ، وحيث أنّه لم ينصب ، واللفظ لا يدل عليه ، إذن فهو لم يرد هذه الفئة المعينة من الكذب ، إذن فهذا الاحتمال باطل.
ويبقى الاحتمالان الاخيران ، الأول والثاني :
ونجد في هذين الاحتمالين عكس ما وجدناه هناك في متعلقات الأوامر ، إذ نجد أنّ المقدمة العقلية تنفي الإطلاق البدلي ـ أي : الشق الثاني ـ لأنّ الإطلاق البدلي غير معقول ، لأنّ مقتضى طبع المطلب أن يترك الإنسان كذبا واحدا ـ أي : أحد أفراد الكذب ـ إذ ترك كذب واحد أمر ضروري وقهري ، وحينئذ لا معنى ، بل لا يعقل التكليف بما تركه قهري