مفاده عدم تعدد الحكم بتعدد المتعلق ، فقد استثنى منه متعلقات النواهي ، إذ مقتضى الأصل فيها وإن كان عدم انحلال متعلقاتها كما عرفت ، إلّا أنّه قد خرجنا عن هذا الأصل بقرينة ، وهي إنّ النهي إنّما ينشأ عن مفسده ، والغالب كون المفسدة انحلاليّة ومتعددة بعدد أفراد الطبيعة. فمفسدة الكذب مثلا تنحل إلى مفاسد بعدد أفراد الكذب ، فهذا هو الغالب في المفسدة ، وهذه الغلبة تكون قرينة على انحلال وتعدد الحكم بتعدد أفراد المتعلق ، وبذلك كان الحكم في متعلقات النواهي انحلاليا وشموليا على خلاف أصله ، وذلك للقرينة المذكورة. بينما في متعلقات الأوامر ، فإنّ هذه الغلبة غير متحققة فكان الحكم فيها جاريا على مقتضى الأصل المتقدم ، وهو عدم الانحلال ، فيكون الحكم بالنسبة للمتعلق فيها بدليا.
وبهذا يثبت أن الحكم في الأوامر بالنسبة لمتعلقاتها بدلي ، وفي النواهي شمولي ، وحينئذ لا يرد السؤال والإشكال المتقدم ، لأنّ هذه الشموليّة ، لم تكن مستفادة من اللفظ ، لا بالوضع ولا بمقدمات الحكمة. بينما كان السؤال والإشكال المتقدم مبنيا على كون الشموليّة والبدليّة مستفادين من اللفظ بواسطة مقدمات الحكمة ، ولكن بعد أن ثبت أنّ الشمولية والبدليّة ليست مستفادة من اللفظ ، لا بالوضع ولا بواسطة مقدمات الحكمة ، ينقطع ذلك السؤال والإشكال.
وقد اعترض السيد الخوئي «قده» (١) على كون الغالب في المفسدة الانحلال باعتراضين :
١ ـ الاعتراض الأول : هو إنّ قرينيّة غلبة المفسدة على كونها انحلاليّة ، إنّما تتم بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.
وأمّا بناء على مذهب «الأشاعرة» ، من إنكار التبعيّة للمصالح والمفاسد ، فلا تتم هذه القرينة ، لأنّ النهي حينئذ لا يكون ناشئا عن مفسدة
__________________
(١) محاضرات فياض : ج ٤ ص ١٠٧ ـ ١٠٨ ـ ١٠٩ ـ ١١٠ ـ ١١١ ـ ١١٢ ـ ١١٣.