الطبيعة ، ولا يكفي اجتناب بعض أفرادها ، وإنما يقع العصيان ويحصل ، بإيقاع فرد واحد من أفراد الطبيعة ، وحينئذ يعتبر المكلّف بهذا عاصيا ، ويسقط النهي حينئذ.
وهذا هو مفاد الكلام المشهور بين الأصوليين ، بأنّ الأمر يمتثل بإيجاد فرد من أفراد الطبيعة الواحدة مفهوما ، ولا تنعدم إلّا بانعدام تمام أفرادها.
وهذا الفارق فسّره الأصوليون على أنه مفاد حكم عقلي ، وليس مفاد دلالة لفظيّة ، حيث قالوا : بأنّ الطبيعة مطلوبة الوجود في جانب الأمر ، وهو يحصل بإيجاد فرد واحد ، ومطلوبة العدم في جانب النّهي ، وهو لا يحصل إلّا بانعدام جميع أفرادها.
وبما ذكرناه من التمييز بين هذا الفارق ، والفارق في الجهة السابقة ، يتضح جملة من المغالطات وقعت في كلام الأصوليين ، منها ـ على سبيل المثال ـ ما وقع في كلام المحقق العراقي «قده» (١) عند ما أراد أن يعالج الفرق بين الأمر والنهي «حيث لا يبقى الأمر بعد العصيان. بينما يبقى النهي بعد العصيان». حيث طرح النكتة التي ذكرناها سابقا. وأجاب عليها بالكلام المشهور حيث جعل الفارق العقلي في كيفيّة الامتثال ، هو الفارق حيث يمتثل الأمر بإيجاد فرد ، والنهي بإعدام جميع الأفراد كما ذكرناه آنفا بينما هذا ليس له دخل بل هو من تبعات ما عالجناه في الجهة الثانية.
ومن الواضح أنّ كلام المحقق العراقي «قده» لا ربط له في دفع السؤال والإشكال.
وقد عرفت أنّ الانحلالية في النّهي هي الموجب لبقاء النّهي بعد العصيان ، وعدم الانحلاليّة هي الموجب لعدم بقاء الأمر بعد العصيان.
وبعد اتضاح هذه المسألة يتبيّن عندنا فارقان :
__________________
(١) مقالات الأصول : العراقي ـ ج ١ ـ ص ١٢١ ـ ١٢٢.