وهنا على مستوى البحث الفلسفي يقال بصحة الأول وخطأ الثاني.
ولكن بعد ربط البحث الأصولي بالبحث الفلسفي ، يقال : بأنّ الكلي الطبيعي ، إن كان وجوده على طريقة الهمداني ، فحينئذ ، هذه التفرقة بين كيفية امتثال الأمر والنّهي ، تكون صحيحة كما تقدم.
وأمّا إذا كان وجود الكلي الطبيعي على النحو الأول المشهور ، وهو الوجودات المتعددة ، وأنّ وجود كل فرد ناقض لعدم الطبيعة في ضمن ذلك الفرد لا مطلقا ، إذن لا يبقى معنى محصل لما اشتهر من أنّ الكلي الطبيعي يوجد بوجود فرد واحد ، ولا ينعدم إلّا بانعدام تمام أفراده ، إذ لا نتصور أن تكون الطبيعة محفوظة في فرد واحد ، ورغم هذا ، لا تنعدم إلّا بانعدام جميع الأفراد ، ذلك لأنّ وجود الطبيعي في ضمن كل فرد لا يحفظ إلّا في ضمن ذلك الفرد ، ولا ينعدم إلّا بانعدام ذلك الفرد ، إذ كما أنّ هناك وجودات عديدة للطبيعة ، فأيضا هناك أعدام عديدة لها ، وحينئذ إذا كان الأمر متعلقا بوجود واحد ، فكذلك يكون النّهي متعلقا بعدم واحد من تلك الأعدام.
وقد تقدم في بحث المرة والتكرار أنّ الربط بين المسألة الأصولية والمسألة الفلسفية غير صحيح.
وأمّا بطلان مسلك الفيلسوف الهمداني ، إنما كان بلحاظ المسألة الفلسفية ، وعالم الوجود الخارجي للكلي الطبيعي.
ولكنّه بلحاظ المسألة الأصولية ، وفي عالم الذّهن ، فإذا أمكن توصل الذهن البشري إلى انتزاع جامع ، يكون قدرا مشتركا بين الأفراد ، وانعدام ما به الامتياز بينها ، فإنّه حينئذ يصح كلام الفيلسوف الهمداني ، إذ لا إشكال في وحدة الكلي الطبيعي عنوانا ومفهوما ، ونحن ، كلامنا في الأوامر والنّواهي ينصبّ على هذا الوجود الذّهني لهذا العنوان والمفهوم الواحد ، لا الوجود الخارجيّ له ، إذ إنّ هذا الوجود الذهني المتعلق للأمر والنّهي ملحوظ بما هو مرآة للخارج ، فما يكون من هذا الوجود الذهني متعلقا للأمر