نعم بالنسبة إلى هذا المرجّح لا يكون دليل «لا تغصب» نافيا لأصل ثبوت ملاك الصلاة ، باعتبار أنّه ينفي فرض أهميّة ملاك الصلاة ، أو مساواته. وعليه : فلعلّ ملاك الصلاة موجود بنحو مغلوب ، والمفروض أنّه لا تلازم بين نفي أهمية أو مساواة ملاك الصلاة ، وبين نفي أصل وجوده ، كما في الصورة الأولى.
ـ النقطة الثالثة ، هي : إنّه من جملة المرجّحات المذكورة في باب التزاحم الحقيقي ، هو تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل ، فهل يمكن إعمال هذا المرجح في باب التزاحم الملاكي ، أو لا يمكن؟.
والكلام في هذه النقطة كالكلام في النقطة الأولى ، فإن كان أصل ثبوت الملاك معلوما من الخارج ، فنقدم ما ليس له بدل على ما له بدل في باب التزاحم الملاكي ، فيقدم في المقام دليل «لا تغصب» على دليل «صلّ» إذا فرض وجود مندوحة عن الصلاة في الغصب ، وذلك باعتبار القطع الوجداني ، بأنّ المولى جعل الحكم على طبق «لا تغصب» ، لأنّ المقتضي لحرمته حينئذ موجود ، وهو ملاكه ، والمانع مفقود ، لأنّ ما يحتمل مانعيّته ، هو المصلحة القائمة في الصلاة ، ولكن هذه المصلحة بدليّة ، لإمكان الصلاة خارج الأرض المغصوبة ، وعليه : فلا تكون هذه المصلحة مانعة عن حرمة الغصب.
وأمّا إذا كان أصل الملاك فيهما ثابتا ، بإطلاق دليلهما بواسطة الدلالة الالتزامية ، كما عرفت ، فحينئذ ، سوف يقع التعارض بين الدليلين ، لأنّ دليل «صلّ» له إطلاق بدلي ، وفي نفسه يقتضي الشمول بدلا لهذه الحصة من الصلاة ، وهي الصلاة في المغصوب ، وهذا الإطلاق لا يتلاءم مع أصل وجود ملاك التحريم في الغصب الثابت بإطلاق دليل «لا تغصب» ، باعتبار أنّ المصلحة البدلية يستحيل أن تغلب المفسدة التعيينية ، وبذلك يكون دليل «صلّ» نافيا لثبوت أصل ملاك الغصب ، فيقع التكاذب حينئذ ، ومعه لا بدّ من تطبيق أحكام التعارض.