وبعد تماميّة هاتين المقدمتين يقال : إنّنا لو كنّا نقول بالامتناع ، وبتقديم جانب النّهي على الأمر ، فحينئذ نلتزم بصحة الصلاة مع الجهل بالغصب وبحكمه ، كما نلتزم ببطلانها مع العلم بالغصب وبحكمه.
والوجه في ذلك ، هو : انّه مع الجهل بالغصب أو بحكمه لا يكون النهي فعليا كما هو مقتضى المقدمة الثانية ، وإذا لم يكن فعليا ، فلا يكون مضادا ومانعا عن الأمر بالصلاة ، كما هو مقتضى المقدمة الأولى ، وإذا لم يكن مانعا عن الأمر بالصلاة ولا معاندا له ، فلا مانع من التمسك بإطلاق دليل الوجوب ، حال الجهل بالغصب أو بحكمه ، ومعه يحكم بصحة الصلاة.
وأمّا إذا كان الغصب وحكمه معلوما ، ففي مثله يكون النّهي فعليا بحكم المقدمة الثانية ، وإذا كان فعليا فيكون مضادا وممانعا للأمر بالصلاة ، بمقتضى المقدمة الأولى ، وإذا كان ممانعا له ـ والمفروض أننا في هذه الموارد نلتزم بامتناع الاجتماع ، وتقديم جانب النّهي ـ فإنّه حينئذ لا يحكم بصحة الصلاة ، وذلك لسقوط الأمر حينئذ.
إلّا أنّ هذا الوجه غير تام نقضا وحلا :
أمّا نقضا ، فلأنّه لو تمّ هذا الوجه ، لجرى في سائر موارد التعارض والتنافي بين دليلين ، مع أنّه لا يلتزم بذلك ، فمثلا : لو ورد ، «أكرم كلّ هاشمي» ، وورد ، «لا تكرم أيّ فاسق» ، فيتعارضان في الهاشمي الفاسق ، بنحو العموم من وجه ، وفي مثله لا يكون الهاشمي الفاسق مشمولا لأيّ من الدليلين مع تساويهما ، فإذا قدّمنا جانب النّهي ينبغي أن يلتزم بمقتضى هذا الوجه ، بشمول دليل «أكرم كل هاشمي» للهاشمي الفاسق الذي لم يعلم بفسقه ، لأنّ هذا وإن كان فاسقا في الواقع ، إلّا أنّ حرمة إكرامه ، ليست فعليّة ، للجهل بها ، ومعه ، لا مانع من ثبوت وجوب إكرامه ، مع أنّه في مثل هذا المورد ، لا يلتزم بذلك ، بل يحكم بعدم شمول دليل الوجوب للهاشمي الفاسق ، سواء أكان فسقه معلوما ، أو مجهولا.