إنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد ، لا بما هي هي ، بل بما هي مؤثرة في الحسن والقبح عقلا ، إذ إنّ الأحكام الشرعية هذه انعكاسات للواجبات والألطاف العقليّة ، ومن الواضح إنّ تأثير المصلحة والمفسدة في الحسن والقبح ، فرع العلم بالغصب :
إذ مع عدم العلم بالغصب : لا حكم شرعيّ بالحرمة ، فيبقى دليل الوجوب على حاله ، فتقع العبادة صحيحة ، حيث لا ملاك ولا فعليّة للحرمة حتى تضاد وتنافي الوجوب.
وأمّا في فرض العلم بالغصب : فتكون المفسدة مؤثرة في القبح ، وبالتالي مؤثرة في الحكم الشرعي بالحرمة ، ومعه تقع العبادة فاسدة.
وهذا الوجه غير تام أيضا ، ويرد عليه أولا النقض السابق بنحو ما عرفت.
ويرد عليه ثانيا : إنّه لو تمّ هذا الوجه ، لتمّ في فرض الجهل بالموضوع ، وهو الغصب ، ولا يتم في فرض الجهل بالحكم ، وهو حرمة الغصب ، وذلك لأنّه في فرض الجهل بالغصب ، تصح العبادة بالنحو الذي ذكر في هذا الوجه ، وأمّا في فرض الجهل بحكم الغصب مع العلم بنفس الغصب ، فإنّ هذا الجهل لا يمنع عن ثبوت الحرمة ، لأنّ جهة الغصب معلومة ، فتؤثر في القبح ، لأنّ القبح تابع لوصول حيثيته أعني الغصب ، وهي واصلة ، وليس تابعا لوصول نفس الحرمة ـ أعني ، الحكم ـ لأنّنا فرضنا أنّ الحرمة هي تابعة له ، لأنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد المؤثرة في الحسن والقبح. وعليه : ففي هذه الصورة تكون الحرمة موجودة ، فلا تقع العبادة صحيحة ، مع أنّ المشهور حكموا بصحتها في هذه الصورة أيضا ، وهي العلم بالغصب مع الجهل بحكمه وهو الحرمة.
ويرد عليه ثالثا : إنّه لا دليل على ما ذكر ، من أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد المؤثرة في الحسن والقبح العقليين ، بل الدليل قام على عدمه ، كما هو مذكور في محله.
نعم قام الدليل على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعية ، فلو التزم بما ذكر في الكفاية ، للزم أنّه لا بدّ في المرتبة السابقة على الحكم ، من