سابقا بعدم الاشتغال بضد واجب مساو أو أهم ، كذلك في الأوامر الاستحبابية ، يكون الأمر الاستحبابي مقيدا لبّا بعدم الاشتغال بمستحب آخر مضاد مساو أو أهم.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الأمر بصوم عاشوراء ، لا بدّ أن يؤخذ في موضوعه عدم الاشتغال بمستحب آخر مضاد مساو ، أو أهم ، وهو هنا ترك هذا الصوم ، لأنّ المفروض أنّ الترك مستحب أهم ، وحينئذ فيكون عدم الترك مأخوذا في موضوع الأمر بصوم عاشوراء ، وعدم الترك هو الفعل ، فكأنه أخذ الفعل ، وهو صوم عاشوراء ، في موضوع الأمر بصوم عاشوراء ، فيرجع مثل هذا إلى قوله : إذا صمت ، فصم بقصد القربة.
وهذا غير معقول ، لأنّه قد فرض أنّ وقوع الفعل في مرتبة سابقة على الأمر ، وأنّ الأمر في طول وقوع الفعل ، والأمر الذي يكون في طول وقوع الفعل ، يستحيل أن يكون محركا نحو ذلك الفعل ، إذن فمثل هذا الأمر لا معنى له ، ومعه لا يبقى أمر بالصوم ليؤتى به بقصد القربة.
وعليه : فيقع الصوم باطلا.
وبهذا يثبت أنّ تطبيق التزاحم الحقيقي في المقام غير تام.
والخلاصة : إنّ السيد الخوئي «قده» (١) حاول دفع اعتراض الميرزا «قده» على صاحب الكفاية «قده» بما حاصله : إنّ المقام ليس من النقيضين أو الضدّين اللّذين لا ثالث لهما ، بل من الضدّين اللّذين لهما ثالث ، إذ توجد عندنا ثلاثة أمور ، هي : الصوم بقصد القربة ، والإمساك من دون قصد الصوم والقربة ، وعدم الإمساك أصلا. والعبادة ، هي الأمر الأول ، والمصلحة الأقوى في الأمر الثالث ، ويمكن التزاحم بينهما لإمكان تركهما ، وذلك بإتيان الفعل مجردا عن قصد القربة.
__________________
(١) أجود التقريرات ـ الخوئي : ج ١ ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥.