ولو كان هناك مقتض للحرمة ، فما هو مقدار تأثيره وفعليّة مقتضاه؟
فنقول : إنّ المقتضي للحرمة بحسب مقام الإثبات والدليل تام ، لأنّ هذا الخروج تصرف في مال الغير ، فيشمله إطلاق دليل حرمة التصرف في المغصوب.
ولا مانع من تأثير هذا المقتضي قبل الدخول في الغصب ، لأنّ المولى قد زجر عن جميع أنحاء التصرف في الغصب ، ومنها هذا الخروج ، وهو مقدور له بقدرته على الدخول وعدمه.
وأمّا بعد دخوله إلى الأرض المغصوبة ، فأيضا المقتضي لحرمة الخروج موجود ، لأنّ الخروج لم يخرج عن كونه غصبا ، فيكون مشمولا لإطلاق حرمة الغصب.
إلّا أنّ بقاء النّهي في هذه الحالة غير معقول.
والوجه في ذلك ، هو : إنّ الغرض من الأمر والنّهي ، هو توجيه اختيار المكلّف نحو مطلوب المولى ومقصوده.
وفي المقام ، لا يمكن توجيه اختيار المكلف بهذا النّهي ، فإنّ هذا النّهي ، قد استوفى غرضه ، ولا بدّ من سقوطه ، وذلك لأنّه إن ادّعى توجيهية اختيار المكلّف للخروج ، فهذا خلف النّهي عن الخروج ، وإن ادّعي توجيهية اختيار المكلف لترك الخروج ، فهذا مناف لغرض المولى ، لأنّ ترك الخروج يوقعه في محذور أشد.
وبهذا يثبت أنّ هذا النّهي غير قابل للمحركية ، فيحكم بسقوطه ، إلّا أنّه سقوط عصياني يستحق عليه العقاب.
وقد يقال : بأنّ ما يتوهم كونه سببا لسقوط النّهي ، هو كون الخروج غير مختار فيه ، باعتبار الاضطرار إليه.
وهذا التوهم فاسد ، لأنّ الامتناع بالاختيار ، لا ينافي الاختيار وهنا المفروض انّ لابديّة الخروج نشأت من اختيار الدخول.