وهذا البيان غير تام أيضا.
ولتوضيح ذلك لا بدّ من الإشارة إلى نكتة ، حاصلها : إنّه تقدّم في بحث الضد ، أنّ الضدّين المتبادلين في عرض واحد ، وزمان واحد ، على موضوع واحد ، لا تعقل المقدمية بينهما ، من قبيل السواد والبياض في جسم واحد ، في لحظة واحدة ، فهنا لا يكون سواد هذا الجسم متوقفا على عدم بياضه ، وكذلك لا يكون عدم بياضه متوقفا على سواده ، وإنّما سواده يتوقف على تماميّة مقتضي السواد ، وعدم المانع منه ، والذي هو عبارة عن عدم تماميّة البياض ، فمثل هذين الضدّين لا مقدميّة بينهما ، كما عرفت تحقيقه في محله.
وأمّا إذا لاحظنا أحد الضدّين ، لا بالإضافة إلى ضده الذي هو بديله ويحل محله موضوعا وزمانا ، إذا فرض عدم وجوده كما في المثال المتقدم ، بل لاحظنا أحد الضدّين بالإضافة إلى ضد آخر في زمان آخر ، وذلك كما لو لاحظنا سواد الجسم في اللحظة الأولى مع بياضه في اللحظة الثانية ، فهنا لا يمنع أن يكون الجسم أسود في اللحظة الأولى ، وأبيض في اللحظة الثانية ، إلّا أنّه لو فرض وجود خصوصيّة أوجبت عدم اسوداد الجسم أبدا فيما إذا اتصف بالبياض آناً ـ ما ـ وهذا فرض ممكن ، ففي هذه الحالة يكون عدم اتصاف الجسم بالبياض مقدمة لاتصافه بالسواد ، فالمقدميّة في مثل ذلك معقولة ، ولا مانع منها.
إذا عرفت ذلك نقول : إنّ المقدميّة المدّعاة في محل الكلام ، وهي مقدميّة الخروج لترك الحرام ، من قبيل الثاني ، لا الأول ، وذلك لأنّ المدعي كون الخروج في هذا الآن ، مقدمة لترك الغصب والحرام في الآن الثاني ، لا في نفس ذلك الآن الأول ، حتى لا تعقل المقدميّة كما عرفت ، إذن فليس المدّعى هو كون الخروج مقدمة لترك الغصب المزامن له ، والذي هو في عرضه ، بل المدّعى أنّ المكلف لا يكون في الآن الثاني تاركا للغصب ، إلّا إذا تحرك خروجا في الآن الأول.