ومعرفة الله تعالى مصلحة ، ومن المعلوم إنّ المصلحة والمفسدة متنافيتان بحمل «هو هو» ، فلا يقال : هذا «مصلحة» ثم يشار إليه بعينه ، ويقال : «إنّه مفسدة» ، فإنّ ذلك مستحيل.
وعليه ، فإذا ثبت إنّ هذا الشيء مفسدة ، فيدل ذلك بالملازمة على عدم وجود مصلحة فيه ، ومعه ، لا يكون ملاكه تاما ، وعليه فلا يقع مجزيا ، وبذلك يتم هذا الملاك الأول للقول بعدم الإجزاء.
هذا إذا لاحظنا القسم الأول من الأقسام الخمسة. وأمّا إذا لاحظنا بقيّة الأقسام ، ففي تلك الأقسام ، لا يكون المتعلّق بنفسه مفسدة في النواهي ، وبنفسه مصلحة في الأوامر ، بل يترتّب عليه مفسدة أو مصلحة ، فحينئذ ، المصلحة والمفسدة في هذه الأقسام ، تكون محمولة على المتعلق بحمل «ذو هو» لا بحمل «هو هو» لأنّه ليس بنفسه مصلحة أو مفسدة ، بل هو ذو مصلحة أو ذو مفسدة.
ومن المعلوم ، إنّ المصلحة والمفسدة غير متنافيتين بحمل «ذو هو» ، فلا مانع أن يقال : «هذا الشيء ذو مصلحة» ، وهو بعينه ذو مفسدة ، لاحتمال أن يكون ذا مصلحة من جهة ، وذا مفسدة من جهة أخرى ، وحينئذ ، فثبوت المفسدة فيه ، لا يكون دالا بالالتزام على انتفاء المصلحة ، ليتم ما ذكر في الملاك الأول.
وبهذا يثبت ، إنّ الملاك الأول لا يتم ، إلّا في القسم الأول فقط ، وعليه فلا فائدة منه ، لأنّ الكلام في النواهي ، إنّما هو بلحاظ الأقسام الأربعة الأخيرة.
وأمّا القسم الأول : فهو غير عملي فقهيا ، لأنّ العبادات المنهي عنها ، ليس نفس المتعلّق فيها مفسدة ، كما هو حال القسم الأول ، بل المتعلّق فيها ممّا يترتب عليه المفسدة ، فهو من قبيل أحد الأقسام الأربعة الأخرى.
وبهذا يثبت ، أن لا فائدة عمليّة في تماميّة هذا الملاك.