٢ ـ الملاك الثاني ، وهو : يتنزّل عمّا ذكر في الملاك الأول ، من أنّ النّهي يكشف عن نفي المصلحة رأسا ، إلّا أنّه يدّعى فيه ، بأنّ النّهي يكشف عن أنّ المصلحة في الفعل مغلوبة للمفسدة ، وذلك لأنّ النّهي الفعلي يكشف عن مفسدة فعلية ، ومع فعليّة المفسدة تكون المصلحة مغلوبة ، ومعه لا يمكن للعبد أن يتقرب بهذا الفعل ، لا من ناحية الأمر ، لأنّه لا أمر في ظرف فعليّة النهي بعد البناء على امتناع اجتماع الأمر والنّهي ، ولا من ناحية الملاك ، لأنّه مغلوب.
وعليه ، فيقع هذا الفعل باطلا ، وغير مجز ، وهو المطلوب.
وهذا الملاك ، إن تمّ ، فهو ينتج : إنّ بطلان الفعل لا لقصور ذاتي فيه ، كما كان في الأول ، لأنّ المفروض هنا ، أنّ الفعل لم يفقد ملاكه ، غايته أنّه مغلوب ، وإنّما يكون البطلان من جهة عدم إمكان التقرب ، ويترتّب على ذلك ، إنّ هذا الملاك ، إن تمّ ، فهو يختص بالعبادات ، لأنّ البطلان بسبب عدم إمكان قصد القربة ، إنّما يكون بالنسبة للعبادات ، حيث يشترط فيها هذا القصد ، وأمّا غيرها فلا يشترط فيه.
ومن هذه الناحية أيضا ، افترق هذا الملاك في النتيجة عن سابقه.
نعم ، يتفق هذا الملاك مع السابق ، في أنّ البطلان مستند إلى وجود النّهي واقعا ، لأنّ نكتة البطلان ، هي مغلوبية المصلحة ، وهذا تابع لوجود النّهي واقعا ، ويترتّب على ذلك ، أنّه في فرض الشك يحكم بالصحة ظاهرا.
ثمّ إنّه بناء على فرض تماميّة هذا الملاك ، فإنّه يتم في جميع أقسام النّهي المتقدمة ، عدا القسم الرابع ، وهو الذي يكون النّهي فيه ناشئا عن مصلحة في نفس جعله ، ففي هذا القسم ، النّهي لا يكشف عن مفسدة في المتعلّق ، وعليه ، فلا يكون كاشفا عن مغلوبية في المصلحة ، لأنّ المصلحة لم تندكّ ضمن مفسدة أقوى لتكون مغلوبة ، حيث أنّه لا مفسدة في المتعلق أصلا ، كما عرفت.