أمّا الوجه الأول ، ففيه : إنّ المصلحة وإن كانت راجعة للعبد محضا ، كما في محل كلامنا ، إلّا أنّ هذه المصلحة ، تارة ، ينظر لها بما هي راجعة للعبد محضا ، ومعه لا معنى للتقرّب بها نحو المولى ، وأخرى ينظر لها بما هي مصلحة مؤثرة في نفس المولى ولو اقتضاء ، وفي مثله ، لا مانع من التقرب بها.
وهذا كثيرا ما يتفق للإنسان ، فإنّنا نرى أنّ الصغير يحافظ على نفسه لأجل أنّ ذلك يرضي والده ، لا لأجل نفسه ، مع أنّ مصلحة المحافظة ترجع إلى الصغير محضا ، إلّا أنّها لوحظت بما هي مؤثرة في نفس الوالد ، وبذلك أمكن التقرب بها نحوه.
ومقامنا من هذا القبيل.
وأمّا الوجه الثاني ، ففيه : إنّه لم يقم عندنا دليل لفظي على عباديّة جل العبادات ، إن لم يكن كلها ، وإنّما تثبت عباديّتها بالإجماع والارتكاز من جهة المتشرعة ، وهذا الإجماع لا يقتضي أكثر من الإتيان بالفعل على وجه قربيّ ، مهما كان هذا الوجه القربيّ ، فتقييده بخصوص قصد امتثال الأمر ، لا وجه له.
وعليه ، فالصحيح ، إنّ هذا الملاك الثالث غير تام.
٤ ـ الملاك الرابع : وحاصله ، هو : إنّ النّهي يوجب سقوط إطلاق دليل الأمر بناء على امتناع الاجتماع ، ومع سقوط إطلاق دليل الأمر ، لا يكون هناك كاشف عن الملاك ، وحينئذ ، ففي مقام الامتثال ، لا يمكن للمكلّف الاكتفاء بهذا الفعل ، فإنّ مقتضى أصالة الاشتغال بالملاك المعلوم ، هو لزوم الخروج عن عهدته ، ولا يمكن الخروج عن العهدة بمثل هذا الفعل ، لأنّه ليس مصداقا للواجب يقينا ، حيث أنّ المفروض أنّ إطلاق دليل الأمر سقط كما أنّه لم يحرز وفاؤه بالملاك ليتقرب به ، حيث لا كاشف عن الملاك بعد سقوط الأمر ، وحينئذ فبمقتضى أصالة الاشتغال يحكم بعدم وفاء هذا الفعل ، وهذا معنى البطلان.