وهذا معناه : انّ قيد «الفقيه» المذكور في الخطاب ، غير مربوط بالحكم بحسب مقام الثبوت ، مع انّه قد تقدّم ، انّ هذا المقدار يثبت بمقتضى أصالة التطابق بين مقامي الإثبات والثبوت لا محالة.
وبتعبير آخر : إنّ هذا الجعل الكلّي المحتمل ، إن فرض انّ القيد دخيل فيه ، كان خلف كونه كليا ، وإلّا كان خلف ظهور التقييد إثباتا في كونه دخيلا ثبوتا.
وهذا المقدار من البيان ، يمكن دفعه : وذلك بأن يقال : بأنّه لو فرض وحدة الجعل المستكشف بالخطاب ، لتمّ حينئذ هذا البرهان ، في نفي احتمال كون الحكم ثابتا بنحو الموجبة الكليّة.
إلّا انّه ، لا موجب لافتراض ذلك ، إذ يعقل أن يكون في واقع الأمر ، جعول متعددة ، بعدد أصناف العلماء ، بحيث ينتج الموجبة الكليّة ، وذلك بأن تكون خصوصيّة كل صنف ، داخلة في الملاك ، مستقلة عن غيرها من الخصوصيّات ، وحينئذ ، لا يكون ثبوت وجوب الإكرام للأصناف الأخرى من العلماء ، منافيا مع ظهور الخطاب ، في دخل قيد الفقاهة في الحكم المجعول فيه.
ب ـ التقريب الثاني : هو أن يقال : بأنّ المولى العرفي ، عادة ، إذا ابتلى بتشريع من هذا القبيل ـ بحيث انّه كان يرى ، انّ كل صنف من العلماء ، له ملاك خاص فيه لجعل الحكم عليه ـ فإنّه لا يجعل جعولا متعددة ، بل يكتفي بجعل واحد على نهج القضيّة الكليّة ، وذلك دفعا لمحذور اللّغويّة (١) العرفيّة ، في حين انّه كان يمكنه ان يتوصل إلى نفس النتيجة العمليّة المرادة له بواسطة الجعول المتعددة.
__________________
(١) إن هذا الدفع لمحذور اللغوية ، غير تام ـ إذ ما دام أن كل صنف له ملاك خاص فيه لجعل الحكم عليه فلا لغوية ، فيمكنه أن يقول إكرام العلماء الفقهاء ، وأن يقول بدله المتكرر فيه ذكر الصنف المتعلق للملاك. المقرر.