ولهذا لا يرى العرف بينهما تعارضا أصلا ، ولا يعامل معهما معاملة المتعارضين ، كما أنه من هذا القبيل حال تعارض الادلة والامارات مع الاصول العملية ، أي حكومة الامارات على الاصول العملية.
وبالجملة : إذا كان أحد الدليلين مفسرا لمقدار دلالة الدليل الآخر وكان ناظرا إليه فليس التنافي والتعارض بينهما بموجودين ، بل يكون بينهما حكومة ، والدليل الحاكم يقدّم على الدليل المحكوم ، سواء كان مقدما عليه من حيث الصدور أم مؤخرا عنه صدورا عن المعصوم عليهالسلام ، وسواء كان الحاكم أخص من المحكوم ، أم أعم منه ، ففي جميع هذه الموارد يقدم الحاكم على المحكوم.
وكذلك لا تنافي ولا تعارض بين الدليلين إذا كان الجمع بينهما عرفا ممكنا ، بحيث إذا عرضا على أهل العرف لجمع بينهما ولم يتحير فيهما ، لأن أهل العرف يرى أحدهما حال كونه قرينة على الآخر ، ويتصرف في أحدهما كما هو مطرد في مثل الأدلة الاولية المتكفلة لبيان أحكام الموضوعات الاختراعية ، أو الامضائية بعناوينها الاولية مع مثل الادلة النافية للعسر بنحو قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(١) ، والنافية للحرج نحو قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) ، والنافية للضرر والضرار نحو قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) ، والنافية للاكراه والاضطرار نحو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه وما اضطرّوا اليه). الحديث.
وهذه الامور ترفع أحكام الوضوء والغسل والصوم إذا كان كل واحد منها ضرريا ، أو إذا كان الصوم حرجيا ، أو إذا كان شرب المسكر مثلا اكراهيا ، أو اضطراريا. فالمراد من الادلة النافية هو الادلة النافية للتكليف في موارد العسر
__________________
١ ـ سورة البقرة : ١٨٥.
٢ ـ سورة الحج : ٧٨.