لأن المراد بالأدلّة في تعريف الفقه هو الامارات التي تفيد الظن وليس المراد منها فيه ما تفيد القطع.
وعليه فيحتمل احتمالا قويّا وجود المعارض فيما لا يحيط من الأدلة والمدارك على تقدير عدم الاحاطة بالكل فلا يحصل العلم ولا الظنّ المعتدّ به بالأحكام بناء على هذا المبنى بدون الاحاطة بالكل والاحاطة بكل الأدلّة لا يكون حاصلا إلّا للمجتهد المطلق وللمستنبط في الكل.
ولكن ذهب الأكثر إلى إمكانه بل ذهب بعضهم إلى وجوبه كصاحب الكفاية (طاب ثراه) بدعوى أن الوصول إلى المرتبة العالية التي هي عبارة عن الاجتهاد المطلق يتوقّف على طيّ المراتب النازلة على التدريج لبطلان الطفرة عقلا أما بيان الطفرة فواضح إذ ملكة الاستنباط هي ذات مراتب عديدة :
الاولى : مرتبة الدنيا. وهي الاقتدار على استنباط قليل من الأحكام الشرعية.
الثانية : مرتبة الوسطى. وهي الاقتدار على استنباط كثير منها.
الثالثة : مرتبة العليا. وهي الاقتدار على استنباط جميعها.
وعلى ضوء هذا فلا يمكن عادة حصول المرتبة العليا دفعة واحدة من دون السبق بحصول المرتبة الدنيا كما لا يمكن عادة حصول المرتبة الوسطى من دون السبق بحصول المرتبة الدنيا فحصول المرتبة العليا لا يمكن من دون السبق إلى المرتبتين المذكورتين ، وإلّا لزمت الطفرة ؛ وقد استدل الأكثر بوجهين :
الأوّل : أن أبواب الفقه مختلفة مدركا ومستندا إذ مدرك بعض أبواب الفقه سهل واضح ، ومدرك بعضها صعب مشكل وهذا يوجب حصول الاقتدار على استنباط الأحكام في بعض الأبواب دون بعض.
الثاني : أن الأشخاص مختلفون في المهارة على النقليات والمنقولات والعقليات والمعقولات.