واما المورد الثالث : وهو إمكان الاحتياط في العبادات بلا احتياج إلى امر آخر وعدمه ، فقد قوى جماعة منهم الشيخ الأعظم (ره) (١) العدم ، وعللوه ، بتوقف العبادة على قصد القربة ، المتوقف على العلم بالامر ، إذ مع الجهل به لو أتى بها بقصد الأمر فهو تشريع محرم ، ولو أتى بها بدون قصد الأمر ، فلم يأت بالمأمور به قطعا.
وفيه : انه بناء على أي مسلك من المسالك ، فيما هو المناط في عبادية العبادة ، من كون اعتبار قصد القربة في المتعلق ، بالامر الأول ، أو الأمر الثاني ، أو حكم العقل ، لا ريب في ان قصد القربة المعتبر ، ليس عبارة عن قصد الأمر الجزمي ، بل هو عبارة عن اضافة الفعل إلى الله تعالى ، وحيث ان هذا المعنى يتحقق فيما لو أتى بما يحتمل ان يكون مأمورا به ، برجاء المطلوبية ، بل هذه الإضافة من أقوى الاضافات ، ولا يلزم منه التشريع ، فامكان الاحتياط ظاهر لا سترة عليه.
وان شئت فقل ان مدرك اعتبار قصد القربة كان ، هو حكم العقل ، أو النص المتضمن لاعتبار النية الصالحة ، أو الإجماع ، لا دليل على اعتبار ازيد من اضافة الفعل إلى الله سبحانه ، وهذا يتحقق فيما لو أتى به برجاء المطلوبية ، فلا اشكال في إمكان الاحتياط في العبادة ، بلا احتياج إلى امر آخر.
__________________
(١) المصدر السابق.