وضرب يجب عليه بيانه كأصول الشرعيات المختصّة بشرعه. وضرب يمكن الوقوف عليه ممّا بيّنه (١) صاحب الشرع كفروع الأحكام. فإذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختصّ بالنبيّ بيانه فهو مخيّر بين أن يبيّن وبين أن لا يبيّن ، حسبما يقتضيه اجتهاده وحكمته. فإذا لم يرد في الآية (٢) كلّ ذلك فهو (٣) ظاهر لمن ألقى العصبيّة عن نفسه. وأمّا الشاعر فإنه يعني نفسه (٤). والمعنى إلا أن يتداركني الموت ، لكن عرّض ولم يصرّح حسبما بنيت (٥) عليه جبلّة الإنسان في البعاد (٦) عند ذكر موته.
قلت : ما ذكره من الإنكار على أبي عبيدة صحيح. والبيت الذي أنشد للبيد أوله : [من الكامل]
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها |
|
أو يرتبط بعض النفوس حمامها |
وأبو عبيدة هذا وإن كان إماما إلا أنه يضعف عن علم الإعراب وفي بعض فهمه. ولمّا حكى الزمخشريّ عنه هذه المسألة قال : إن صحّت هذه الرواية عنه فقد حقّ فيه قول المارقين في مسألة «كان أحقّ أن تفقه ما أقول» (٧).
قلت : هذه مسألة جرت بينه وبين ابن عثمان ، ذكرتها مستوفاة في «الدّر المصون» وقال ثعلب : كان وعدهم عذابين ؛ أحدهما في الدنيا ، والآخر في الآخرة. فلذلك قال : (بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ)(٨) وهو الذي في الدنيا.
وقال الليث : بعض صلة أي زائدة ، والمعنى يصيبكم بعض الذي يعدكم ، وهذان القولان أعني الأول والآخر ضعيفان. أما الأول فلما تقدّم ، وأما هذا فلأنّ الأسماء لا تزاد. وقال الخليل : رأيت غربانا تبتعض (٩) ، أي يتناول بعضها بعضا.
__________________
(١) ما زال يقتبس من الراغب (ص ٥٤).
(٢) يعني الآية السابقة : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ) ...
(٣) في الأصل : وهي ، ولعلها كما ذكرنا.
(٤) أي من قول لبيد.
(٥) في الأصل : بني ، والسياق يقتضي ما ذكرنا.
(٦) في الأصل : البعادي.
(٧) الدر المصون : ٣ / ٢٠٤. وفي الأصل : قول المارين.
(٨) ٢٨ / غافر : ٤٠.
(٩) في الأصل : يبعضض ، وهو وهم.