فصل الجيم والهاء
ج ه د :
قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ)(١).
الجهاد : استفراغ الوسع والطاقة في مدافعة العدوّ. وهو ثلاثة أنواع : جهاد العدوّ ظاهرا ، وهو الغزو لقتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا. وجهاد الملحدين بالحجج الواضحة. وجهاد العدوّ باطنا ، وهو جهاد النفس وجهاد الشيطان وهو أصعب الجهاد.
وفي الحديث : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» ؛ يعني مجاهدة النفس والشياطين ، وهو صلىاللهعليهوسلم وإن كان آمنا من ذلك لأنه معصوم لكن علّمنا ذلك ، وصدّق (٢) عليه الصلاة والسّلام ؛ فإنّ مراجعة النفس ومقابلتها أصعب من قتال أفتك الرجال. وهذا أمر محسوس نجده من أنفسنا ، فإنّ الأعمال البدنيّة أهون من الأعمال القلبية ، ولذلك نجد الناس يعالجون الصنائع الشاقّة ، ولا يعالج العلم منهم إلا القليل لأنه أمر قلبيّ.
وقوله تعالى : (لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)(٣). الجهد : الطاقة والمشقّة ، وقرىء بالفتح (٤) ، فقيل : هما لغتان كالقرء والقرء. وقيل : بالضمّ الوسع وبالفتح المشقّة. وقال الشعبيّ : الجهد بالضمّ بمعنى القوت. والجهد [بالفتح] في العمل. وقال ابن عرفة : هو بالضمّ الوسع والطاقة ، وبالفتح : المبالغة والغاية /. ومنه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)(٥) أي بالغوا في اليمين وأجهدوا فيها بمعنى أنهم أجهدوا فيها أن يأتوا بها على أبلغ ما في وسعهم وطاقتهم. والاجتهاد افتعال من ذلك وهو أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمّل
__________________
(١) ٧٨ / الحج : ٢٢.
(٢) وفي س : وصدقنا.
(٣) ٧٩ / التوبة : ٩.
(٤) قرأها بالفتح الأعرج وعطاء ومجاهد (مختصر الشواذ : ٥٤). ويقول الفراء : «والجهد لغة أهل الحجاز» (معاني الفراء : ١ / ٤٤٧).
(٥) ٥٣ / النور : ٢٤.