ومن هنا اشتهر أنّ علم المجتهد بالحكم الظّاهرى حاصل من قياس مركّب ، من صغرى وجدانية وهى : هذا ما أدّى إليه ظنّى ، وكبرى برهانيّة وهى : كلّ ما أدّى إليه ظنّى فهو حكم الله في حقّى وحقّ من يرجع إليّ ، فالحكم الظاهرى متقوّم بالظّنّ تقوّم المحمول بالموضوع ، من غير فرق بين الموارد والصّور ، فليس تأثيره فيه من قبيل تأثير العلل الاعداديّة ودخلها في المعلول ، فحديث العلل الاعدادية أجنبىّ عن المقام مطلقاً ، ولا تعلّق له به أصلاً ، فإذا قامت على فساد النّكاح بالفارسى مثلاً فمفادها عدم سببيّته وتأثيره في الشّرع ، من غير فرق بين كون من أوقعه معتقداً بتأثيره ، أو غافلاً عنه ، أو شاكّاً فيه ، أو معتقداً بعدم تأثيره ، كما أنّ مفادها إذا قامت على سببيّة الغليان للنّجاسة مثلاً وعدم سببيّة ذهاب الثّلاثين بغير النّار للطّهارة ، كونهما كذلك في نفس الأمر من غير مدخليّة لحالات المكلّف والأزمنة في مفادها أصلاً ، وكذا بالنّسبة إلى سائر المعاملات والأحكام ، وهكذا الأمر في ما [إذا] قامت على اعتبار شيء في العبادة.
نعم ، صيرورة مفادها المذكور حكماً ظاهريّا فعليّاً للمجتهد بهذا العنوان العامّ الّذي عرفت إنّما هو بعد بنائه عليها وحجّيّتها في حقّه ، فالبناء المذكور نظير الاطّلاع على الدّليل العلمى ، فاذا قامت مثلاً على جزئيّة الجلسة للصلاة وبنى المجتهد عليها ، فلا بدّ أن يحكم بفساد ما أوقعه ووجوب إعادته ، فضلاً عمّا إذا تبدّل رأيه في الأثناء ، كالحكم بفساد ما يوقعه بعد تبدّل الرأى من غير فرق بينهما أصلاً ؛ نعم ، كان معذوراً في ما أوقعه بدون الجلسة في زمان رأى الصّحّة ووقوعها بدون الجلسة حال رأى الصّحّة لا يوجب صحّتها الواقعيّة وعدم دخل الجلسة فيه في مرحلة الواقع ، إلّا على القول بالتّصويب ، وإنّما يوجب صحّتها في مرحلة الظاهر ما دامت الأمارة قائمة ، فإذا زالت بقيام أمارة قضت بجزئيّة الجلسة للصلاة في حقّ كلّ أحد حتّى من أتى بها بظنّ عدم الجزئيّة ، فيترتّب عليه مخالفة المأتىّ به للمأمور به ، فيجب عليه الاعادة ، بل القضاء أيضاً إذا حصل التّبدّل بعد خروج الوقت ، فصيرورة مفاد الأمارة حكماً فعليّاً