حيث إنّ الفاضل عالم بجميع ما تحتاج إليه الأمة ومحيط به والمفضول جاهل ببعضه فيقبح التسوية بينهما فضلاً عن ترجيح المفضول. وإليه أشار في قوله تبارك وتعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(١). وهذا بخلاف مسألتنا هذه فإنّ مرجع الفرق بينهما إلى شدة الملكة العلمية بالنسبة إلى المسائل وضعفها ، وهذا كما ترى لا تعلّق له بالعلم والجهل ، هذا.
وأمّا قوّة الظن بالنسبة إلى فتوى الأعلم فيتوجّه عليه على تقدير التسليم أنّه إنّما ينفع فيما إذا دار الأمر بينها وبين فتوى غيره بحيث يكون الدليل والحجة إحداهما كما في مسألة التقليد لا فيما نحن فيه ممّا قام الدليل فيه على نصب كل واحد من العلماء ، هذا.
فإن شئت قلت : إنّ مبنى الترجيح على التعارض بحيث يدور الأمر بين كون الدليل والحجة الفعلية أحدهما على التعيين أو كل واحد على البدل والتخيير. وهذا كما ترى أجنبي عمّا نحن فيه كما هو ظاهر. وممّا ذكرنا كلّه تعرف فساد وجوه القول بتعيّن قضاء الأعلم مطلقاً.
الثاني : لزوم الحرج الشديد من تعيّن قضاء الأعلم ، وهذا بخلاف تعيّن تقليده والفرق بينهما لا يكاد أن يخفى على الأوائل. فلو فرض هناك ما يقتضي بظاهره تعيّن قضاء الأعلم فلا بدّ من رفع اليد عنه بهذا الوجه. نعم ، على القول بكون المنفي بدليل نفي الحرج الحرج الشخصي لا الغالبي الأكثري النوعي ، لم يتمّ هذا الوجه بإطلاقه ، ولا يتمّمه عدم القول بالفصل ، فتدبّر.
الثالث : كونه خلاف السيرة المستمرة بين العلماء بل بين أصحاب الأئمّة عليهمالسلام أيضاً ، فإنّه لا يكاد يرتاب في تصدّي المفضول للقضاء مع وجود الفاضل. وهذا الوجه ذكره غير واحد ممّن أركن إليه تمام الركون ، سيّما بعض مشايخنا في شرحه على الشرائع (٢) ، لكنّه كما ترى لا يخلو عن مناقشة ، لأنّ استمرار سيرة المفضولين المعتقدين بكونهم
__________________
(١) الزمر (٣٩) : ٩.
(٢) جواهر الكلام : ٤٠ / ٤٤.