والوجه فيه أن العلم بالتحريم لا يسقط المال المحترم عن المالية ، ولا يستلزم الإذن المجاني ، ولا يوجب انصراف أدلة الضمان عنه. فالمقتضي للضمان موجود ، وهو حديث (على اليد) وغيره ، والمانع مفقود ، فالقول بالضمان متعين. ولا فرق بين هذه الصورة وبين الصورة الأولى.
وتفصيل هذا أن أدلة الضمان من اليد وغيرها شاملة لما نحن فيه ، وأصل البراءة لا مجال له.
ودعوى انصراف أدلة الضمان عن مثله ممنوعة أشد المنع.
ودعوى تحقق الأذن المجاني يكذبها الوجدان. فإن المتعاملين ، في باب بيع الخمر وإجارة المغنية مثلا ، أقدما على الضمان بمسمى لم يسلم لهما شرعا من جهة إسقاط الشارع مالية الخمر والغناء شرعا ، وإن كانت من أعظم الأموال عرفا. فالمجانية غير ملحوظة للمتعاملين قطعا ، وإنما أقدما على احترام ماليهما ، وعلى حفظ المالية بالمبادلة ومجرد إقدام المشتري مع علمه بالتحريم ، لا يوجب سقوط ماله عن المالية.
وأما الصورة الثالثة : وهي ما إذا باعه بثمن غير متمول عرفا أو شرعا ، كالخنفساء ، فالمشهور فيها ، كما يظهر مما حكيناه ، الضمان مطلقا. وعن بعض شيوخ مشايخ الرشتي أنه حكم بعدم الضمان مع العلم ، وقد عرفت أن النائيني واستاذنا كاشف الغطاء افتيا بعدم الضمان مطلقا ، ثم عرفت كلام السيد في العروة.
ومقتضى القواعد : أن البائع إن كان له غرض يتعلق بالخنفساء ، ولو كان هذا الغرض ليس عقلائيا ، كما لو احتاجها للمزح والمداعبة والسخرية بشخص ، ولم يجد غيرها مثلا ، كان حكمها حكم الصورة الثانية حرفا بحرف ، لأن المشتري حينئذ في مقام الاحتفاظ بماله والتمسك به ، وليس في مقام بذله مجانا. وإن كان ليس له أي غرض في الخنفساء كما لو كانت الخنافس مبذولة حوله ، كانت هذه الصورة من صغريات الصورة الرابعة الآتية.
وأما الصورة الرابعة : وهي ما إذا باعه بلا ثمن أو أجره بلا أجرة مثلا ،