فقد أفردنا لها قاعدة مستقلة تأتي عقب هذه القاعدة ، والتحقيق فيها أنهما إن قصدا إيجاد الهبة والعارية بهذه الصيغة ابتنى الحكم في صحتهما ، كذلك على كفاية مثلها فيهما. وإذا قلنا بالفساد لحقهما حكم الفاسد منهما ، وإن قصدا البيع أو الإجارة كانتا فاسدتين ، ولحقهما حكم الفاسد منهما. ولعل القائلين بالضمان أخذوا بعموم الحديث ، وجعلوها من صغريات البيع الفاسد والإجارة الفاسدة ، والقائلين بعدم الضمان جعلوها من صغريات الهبة والعارية ، فيكون مأذونا من المالك إذنا مجانيا ، والجهل بالحكم أو العلم به لا يؤثران في رفع الأحكام في جميع العقود ما لم ينته إلى عدم القصد الموجب لزوال العنوان.
وليعلم أن ظاهر حال المتعاملين ، في الصورتين الثالثة والرابعة ، أنه يريد أن يملكه ماله بلا عوض ، ويكون حينئذ آذنا له ، والإذن يسقط الضمان. واحتمال إناطة الإذن بصحة المعاملة خلاف ظاهر الحال ، ولكن هذا الظاهر لا يفيد أكثر من الظن وهو ليس حجة ، وينبغي التنبه إلى أن حجية ظواهر الألفاظ لا تستلزم حجية ظواهر الأفعال لقيام الدليل هناك ، وعدم قيامه هنا ، لذلك خرج الظن المستفاد من ظاهر اللفظ ، من أصالة عدم حجية الظن ، وبقي الظن المستفاد من ظاهر الحال ، وكثيرا ما يشتبه على أهل الفضل ظاهر الحال بظاهر المقال ، فلا تغفل.
وأما الصورة الخامسة : فقد عرفت إجماعهم على عدم ضمان البائع الثمن للمشتري ، إذا كان المشتري عالما بالغصب. وعن جماعة إنهم عللوه بأنه سلطه على ماله بلا عوض.
وقربه في المكاسب بعدة وجوه ذكرناها في الطبعة الأولى من هذا الكتاب ، وكلها محل نظر بل منع ، وقد اعترف هو قدسسره بأن مستند المشهور لا يخلو من غموض.
قلت : والوجه في غموضه أمران.
أولهما : إنه لم يسلطه على ماله بلا عوض ، لأنه لو لم يتسلم منه العين المغصوبة لم يسلمه العوض.