وثانيهما : إن هذا التعليل بعينه يطرد في الصورة الثانية والثالثة من الصور الخمس ، لأن بذل المال في قبال الخمر بعد العلم بحرمة بيعها لكونها ليست مالا شرعيا ، وفي قبال الخنفساء بعد العلم بكونها ليست مالا عرفا ، يكون نظير بذله في قبال المغصوب بعد العلم بفساد بيع المغصوب وحرمة التصرف فيه ، مع أنهم اتفقوا على الحكم في المغصوب ، ولم يتفقوا عليه في هذين الموردين.
ويمكن أن يقال بأن المناط ليس واحدا.
بيان ذلك : هو أن الغاصب لا يمكنه المطالبة بالمغصوب شرعا ولا عرفا ، بخلاف صاحبي الخمر والخنفساء ، فإن لهما حق المطالبة بهما ، ومن أجل ذلك تكون دعوى المجانية الصرفة متصورة بالنسبة لما يقبضه بائع المغصوب ثمنا للعين المغصوبة ، وغير متصورة بالنسبة لما يقبضه بائع الخمر والخنفساء ثمنا لهما ، وهذا يقتضي كون الثمن مرتبطا بهما وغير مرتبط بالمغصوب.
إن قلت : إن الغاصب يمكنه المطالبة بالعين المغصوبة بدعوى كونه هو الذي كان مستوليا عليها وهو الذي سلمها له.
قلت : المطالبة المذكورة مطالبة بحق في عرف اللصوص ، وأما في نظر الشرع والعقلاء ، فإنها مطالبة بغير حق قطعا ، بل الواجب عليه عندهم دفعها لمالكها ولا يجوز له إرجاعها للغاصب ، ولا طريق له للتخلص من الإثم والضمان إلا بدفعها لمالكها أو للحاكم الشرعي.
ومن هذا يتضح أن بذل المال للغاصب بذل مال لمن ليس له حق في العين المبذول بازائها المال بوجه من الوجوه بخلافه فيهما.
والتحقيق : إن البيع عبارة عن مبادلة بين شيئين ، يتبعهما تبديل طرفي الاضافة بين المتبايعين ، وهذا المعنى موجود في بيع الخمر والخنفساء ، لوجود إضافة الملك في الخمر ، ووجود إضافة الملك أو الاختصاص في الخنفساء ، وهذا كله مفقود في بيع المغصوب ، لأن إضافة المغصوب للغاصب إضافة تشير إلى أنه لا حق له فيه بوجه من الوجوه ، بل هي صريحة بانتفاء مقولة الجدة عنه بالنسبة للمغصوب.