الاستدلال عليه بالآية الأولى فوجهه : هو أن تعليم الله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم الاحتجاج على اليهود الذين حرموا بعض ما لم يجده فيما أوحي إليه ، يدل على ثبوت ملازمة عدم الوجدان لعدم الوجود. فإن احتجاجه بها عليهم مبني على أحد أمرين :
أحدهما : أنه طريق عقلائي ، وهم يعترفون بدليليته ، فيحتج به عليهم إلزاما لهم بما التزموا به ، وإن كان هو لا يراه كذلك.
وثانيهما : إنه مسلم الدليلية عند الطرفين ، فيكون برهانا بنظر كل منهما.
والظاهر الثاني : لأنه الأصل في باب الاحتجاج. وأما الالزام والنقض فإنهما خلاف الأصل. مضافا إلى أن استدلال الشارع به ، وعدم ردعه عنه ، بعد كونه طريقا عقلائيا بذاته ، ظاهر في تقريره. فيكون حجة شرعا بحيث يسوغ لنا الاستدلال به ولو فرض أن الاستدلال كان مبنيا على النحو الأول ، فإن إلزامهم به ، مع عدم الردع يكون تقريرا له.
وإن قلت : إن ظهور حال المستدل في شيء ، لا يفيد أكثر من الظن بكونه يراه حجة ، والظن ليس حجة بنفسه. وهذا غير حجية الظهور التي هي طريق للمراد فإن الظن بالمراد المستفاد من ظهور الالفاظ مع قرائنها حجة دون غيره من الظنون .. هذا أولا.
وثانيا : إن التقرير (١) لا يكفي فيه الفعل لإجمال جهته ، ولا سيما إذا كان من نوع الاحتجاج على الخصم. ألا ترى إن الائمة عليهمالسلام طالما نقضوا
__________________
(١) قاعدة التقرير على ثلاثة أنحاء. فقد يكون قوليا كما في قاعدة اليد ، فإن الروايات الواردة فيها مقررة لطريقة العقلاء ، وقد يكون بالمتابعة العملية ، كما هو الحال في حجية الظواهر ، وقد يكون بعدم الردع كما لو اطلع ولم يردع مع قدرته على الردع ، وأما الفعل في مورد جزئي فإنه ليس تقريرا لإجمال جهته.