فإن كل مشتبه واقعا يكون غير مشتبه ظاهرا ، بعد اعمال الاصول ، وهو واضح. وحينئذ فليس لدينا ، بعد اعمال الاصول مشتبه ظاهري ، لتعمل قاعدة القرعة فيه ، فتكون الاصول واردة عليها ، وتبقى هي بلا مورد.
ومن هذا كله يتضح أن قاعدة القرعة غير مفهومة ، وأن عمل الفقهاء بها في مورد ما ، يكون دليلا مستقلا ، لا أنه عمل بها. نعم ربما يقال : إن المناسب لها هو المورد الذي يلزم من تطبيق الاصول فيه أمر لا يمكن الالتزام به ، كما في باب ميراث الصبي الحر المشتبه بالصبي المملوك بعد الهدم ، وكما في الشاة الموطوءة في القطيع ، وكما في درهم الودعي (لو لا رواية التنصيف) ، وكما في المال الذي يكون بين جماعة ولا يد لأحدهم عليه ، ولا بينة ، وينكلون كلهم عن اليمين مع العلم بأنه لأحدهم ، وكما في عتق عبد معين واشتباهه في غيره ، وكما في طلاق زوجة معينة واشتباهها في غيرها وما اشبه ذلك. لأن الاحتياط متعذر والتخيير مجلبة للنزاع ، وجعل الكيس لغير من هو بينهم اعطاء له لغير مالكه بلا ريب ، وتحريم الغنم بأجمعه ضرر عظيم ، والحكم بحليته اجمع تحليل للحرام بغير دليل و .. و ..
ولا أجد ضابطا فعلا اكثر من هذا ونظر الفقيه الممرن المتفوق الذي زاول الفقه مدة طويلة اقرب للإصابة.
الموضع الرابع : في الاشارة إلى جملة من الموارد التي طبقت عليها قاعدة القرعة في النصوص مع قطع النظر عن الفتوى بمضمونها وعدمه وهي موارد.
احدها : الجارية التي وطأها رجلان أو اكثر فولدت ، فاختصموا في الولد ، وقد تضمنت هذا الفرض وما يشبهه عدة روايات فيها الصحيح وغيره ، وقد اتفقت على استخراج والده بالقرعة (١).
ثانيها : ما ورد في من قال : اول مملوك املكه فهو حر ، فملك اكثر من واحد بالميراث ، فإنها تضمنت أنه يستخرج بالقرعة (٢).
__________________
(١) الوسائل م ١٨ ب ١٣ من ابواب كيفية الحكم واحكام الدعوى ص ١٨٧ ج ١ ـ ٥ ـ ١٤. وفي الوسائل ايضا م ١٤ ب ٥٧ من ابواب نكاح العبيد والاماء ص ٥٦٦ ح ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ.
(٢) الوسائل م ١٨ ب ١٣ ص ١٨٧ ح ٢ ـ ١٥.