الايراد الأول : أن القدر المتيقن من الحديث هو جب الكفر والمعاصي والذنوب وأما إطلاقه بمعنى عموم الجب الراجع إلى عموم المجبوب فهو غير ثابت ، لاقترانه بما هو قرينة على العدم أو صالح للقرينة ، فإن ذكر الكفر والمعاصي والذنوب في رواية المجمع إن لم يكن قرينة على اختصاصه بهذه الأمور ، فهو صالح لذلك. وبعد فرض اقتران المطلق بما يصلح كونه قرينة لتقييده ، لا ينعقد إطلاقه ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة.
بيان ذلك : هو أن قوله (ص) من الكفر والمعاصي والذنوب إن كان متعلقا ب (يجب) في قوله (ص) والتوبة تجب ما قبلها ، كما هو الظاهر بدوا ، كان قوله (ص) : الإسلام يجب ما قبله ، مقترنا بما يصلح للقرينة ، بسبب احتمال تقييده فيكون مهملا ، وإن كان متعلقا ب (يجب) في قوله (ص) : الإسلام يجب ما قبله ، كان اختصاصه بالثلاثة أوضح ، لأنه هو مقتضى ظاهر (من) البيانية.
ثم إنه لا ينبغي الريب في أن قوله (ص) من الكفر متعلق بقوله (الإسلام يجب ما قبله) ، لأن الكفر لا يجبه غير الإسلام ، ولأنه لا فائدة لتوبة الكافر من المعاصي والذنوب مع بقائه على كفره.
ثم إنه ربما يقال : أيضا أن قوله (ص) والهجرة تجب ما قبلها ، كما في رواية السيوطي والمناوي والطبراني صالح للقرينة ، لأن الهجرة لا تجب كل ما قبلها بالضرورة ، وقد تلخص من هذا : أن حديث الجب مختص بالثلاثة ، وإن جب ما عداها وسقوطه عن الكافر مفتقر إلى دليل خاص.
وأما تطبيق الحديث بالنسبة لاسلام ابن أبي سرح ـ الذي كان يؤذي النبي (ص) فهو كذلك ، فإنه يحتمل أن يكون قد قال له ذلك ليؤمنه من الاقتصاص ، ويحتمل أن يكون قد قاله له ليرفع عنه الاستحياء ، ولا ريب أنه هو الأظهر ، بل هو المتعين ، لكونه هو المصرح به في الحديث .. وعلى كلا الحالين ، يكون الحديث واردا لبيان رفع أثر الايذاء ، سواء كان لرفع العقوبة أو لرفع الاستحياء ، ومثله حديث إسلام أخ أم سلمة. وأما المغيرة ، فيمكن