افتقرت إلى قرينة. ومجرد تعذر نفي الماهية لا يستلزم حملها على الانشاء ، لإمكان تصحيح كلام الحكيم بحمله على محامل أخرى أقرب منه بنظر العرف ، بحيث يصح أن يقال أنها ظاهرة فيه.
وأما الثاني : فبأن ـ لا ـ الناهية مختصة بالفعل المضارع ، كما صرح بذلك ابن هشام في المغني. وحينئذ فحملها عليه في الآية حمل لها على خلاف القواعد وخلاف الظاهر. فلو ثبت أن مفادها حكم تكليفي ، لم يكن ذلك من حيث كونها ناهية ، بل من حيث كونها جملة خبرية مستعملة في معناها بداعي الطلب لا بداعي الحكاية.
وأما الثالث : فبأن تقدير فعل محذوف خلاف الظاهر ، لأن الأصل عدم التقدير ، مضافا : إلى أننا لو سلمنا صحة التقدير ، وسلمنا كون المقدر لا يقع ضرر لزم من ذلك ظهور هذا الكلام في إحداث تكليفين : تكليف بالنهي عن صدوره من فاعله وتكليف بمنع الآخرين من الفعل ، كما لو قال : الملك : لا يقتل ولدي ، فإن معناه لا تقتلوه ، ولا تدعوا أحدا يقتله. وهو مما لا يلتزمون به بحسب الظاهر. مضافا إلى ذلك كله : إن المورد يأبى على حملها على الحكم التكليفي كما في الشفعة. بل وفي قضية (سمرة) ، فإن التصرف إنما حرم عليه لأنه لا سلطان له ، لأن سلطنته سلبت لكونها ضررية.
الاحتمال الثاني : أن يكون المنفي ب (لا) الحكم الضرري. وهو الذي اختاره شيخنا المرتضى رحمهالله ، ونسبه للمشهور ، وحكي عن شيخ مشايخنا النائيني رحمهالله ويكون لفظ الضرر حينئذ صفة لموصوف محذوف ، أو مضافا إلى مضاف إليه محذوف. ويكون المعنى حينئذ عدم جعل الحكم الضرري ، والتقدير : لا حكم ضرري ، أو : لا حكم ضرريا مجعول ، ولا حكم للضرار ، أو لا حكم ذا ضرار مجعول. ولا ريب إن إرادة نفي الحكم أولى من غيره ، بعد تعذر إرادة المعنى الحقيقي ، لأن رفع الحكم بيد الشارع ، وكذلك وضعه ، ولأنه قريب من المعنى الحقيقي. فدعوى ظهور النفي فيه قريبة بخلاف ما عداه (١).
__________________
(١) إن قلت : إن نفي الحكم ليس حكما ولا موضوعا لحكم شرعي ، فلا يكون من المجعولات