إذا اعتقد عدم الضرر فتوضأ فتضرر ، يصح ان يقال : وجوب الوضوء في هذا الحال ضرري ، كما يصح ان يقال غسل العضو ضرري. فإن كان الضرر محمولا على الوجوب كان مرفوعا ، لأن (لا ضرر) ترفع الحكم الضرري ، فيكون وضوءه باطلا ، أو غير واجب. وإن كان الضرر محمولا على فعله لم يكن مشمولا إلى (لا ضرر) لأن أفعال المكلفين الخارجية لا تنالها يد التشريع بالرفع والوضع.
وربما يقال : بترجيح الحمل في مثل الفرض على اسبق العلل ، والحكم الشرعي اسبقها كما قد يقال بترجيح الحمل على اقربها للمسبب ، وفعل المكلف اقرب.
والتحقيق أن المدار على ما يستظهره العرف ويستذوقه. وهم لا يلتفتون للاسبق والاقرب ، بل المدار في الظهور على انس اللفظ بالمعنى ، وهو لا يرتبط بهذه الامور.
واما الثالث : فيمتنع تعلقه به ولو بالعناية لانتفاء العلاقة المصححة للاستعمال ، ولاستنكار الطبع لمثله ، حتى مع وجود العلاقة. فإن صحة الاستعمال مشروطة بامرين : وجود العلاقة واستحسان العرف :
إذا عرفت هذا فاعلم : أن المسائل الضررية في الفقه كثيرة ، وأن احكامها متنافية بالنظر البدوي. وسيرتفع هذا التنافي ، بحول الله وقوته ، بملاحظة التنبه إلى أن قسما منها فيه نصوص خاصة : كالصوم الضرري وكافعال الصلاة الضررية ، والطهارات الضررية ايضا ، فإن فيها نصوصا ، كما في طهارة ذوي الجبائر ، وكما في التيمم ، مع خوف الضرر من الماء للكسير وربما يبتني قسم منها على حرمة الاضرار بالنفس والبدن ولكن الفقهاء يذكرون (لا ضرر) في ضمن الادلة بنحو الاستطراد لا الاعتماد. ثم جاء متأخرو المتأخرين منهم فجعلوها العمدة ، وكثر الاشتباه.
قالوا : لو اعتقد الضرر أو ظنه وتوضأ بطل وضوؤه وإن لم يتضرر ـ (١) ـ.
__________________
(١) لاحظ مبحث التيمم.