وهذا بظاهره يخالف باب الوضوء ، لأنه يدل على أن الضرر لا يؤثر بوجوده الاعتقادي وإنما يؤثر بوجوده الواقعي ، ويخالف كلا المبنيين في المنفي بلا ضرر ، لأن المنفي فيها إن كان الضرر الواقعي لزم ثبوت الخيار مطلقا ، سواء علم بالغبن أو لم يعلم ، وإن كان المنفي فيها الضرر الاعتقادي لزم ثبوت الخيار إذا علم بالغبن ، وعدم ثبوته إذا لم يعلم به ، فالتمسك بحديث نفي الضرر في باب خيار الغبن لا ينتظم مع التمسك به في الطهارات ، ولا ينتظم في نفسه مع ما افتوا به في خيار الغبن.
ويمكن أن يقال أن المنفي بلا ضرر الضرر الواقعي ، ولكن إقدام البائع على البيع في حال علمه بالغبن يرجح لحمل ضرر على إقدامه فيقال : إقدامه على البيع الغبني ضرري ، والإقدام ليس حكما شرعيا فلا يشمله حديث نفي الضرر ، وحمله على اللزوم في هذا الحال ممكن ، ولكن حمله على الإقدام بنظر العرف أولى من حمله على اللزوم ، لأنهم يرونه هو أضر نفسه لا أن الشارع أضره. وأما في حال الجهل بالغبن فإن الضرر إنما ينشأ من لزوم المعاملة فيقال : لزوم البيع الغبني مع الجهل به ضرري. فالضرر حينئذ عنوان محمول على اللزوم متحد معه كالقيام للتعظيم. واللزوم حكم شرعي وضعي يرتفع بالحديث لفرض أنه ينفي الحكم المسبب للضرر واقعا لا اعتقادا.
إن قلت : لم كان الاقدام على البيع الغبني مخرجا لمورده عن القاعدة ، ولم يكن الاقدام على الوضوء الضرري كذلك؟ قلت : أولا أن رفع الضرر في باب البيع تدارك لحق المغبون ، وباقدامه يكون قد اسقط حقه ، وأما رفعه في باب الطهارة فهو حكم تعبدي ارفاقي. والحكم لا يسقط باسقاط المكلف به له ، بخلاف الحق. وثانيا أن الضرر في كل من البيع والطهارة ناشئ عن فعل المكلف بالنظر البدوي ، ولكنه في البيع يكون عنوانا للاقدام ، ومحمولا عليه وأما في الطهارة فإن الضرر يكون عنوانا للحكم الشرعي اعني الوجوب ، فإنه لو لم يجب الوضوء لم يغسل العضو ، ولو لم يغسل لم يتضرر ، فالضرر تصح نسبته للوجوب وتصح نسبته للغسل. ولكن العرف يرى أن احمل المعلول على أسبق علله في مثل الفرض أولى من حمله على أقربها ، ويكون حينئذ ظاهرا فيه.