ودعوى إثبات رجحان المنذور بسبب وجوب الوفاء بالنذر ممنوعة ، لأن المراد من رجحان متعلق النذر ، رجحانه مع قطع النظر عن تعلق النذر به ، بل هي مستحيلة عقلا للدور الواضح ، هذا مضافا إلى مجيء الشبهة بعينها بالنسبة للاستطاعة فإنه قد يدعي أنه يمكن إحراز الاستطاعة بواسطة وجوب الحج ، لأن الحج إذا كان واجبا استلزم مرجوحية متعلق النذر ، فينحل النذر ويبقى وجوب الحج بلا مزاحم ، فتكون الاستطاعة متحققة لانتفاء المانع الشرعي. والتحقيق إن هذا أيضا مغالطة ، لأن المراد من حصول الاستطاعة ، حصولها مع قطع النظر عن وجوب الحج. بل دعوى إحرازها بواسطة وجوب الحج مستحيلة عقلا ، وذلك لأن الاستطاعة بجميع شئونها شرط في وجوب الحج. وهي في رتبة علة الوجوب. فلا يعقل إحرازها به للدور الواضح.
وقد تبين مما مر ، إن وجوب الوفاء بالنذر موقوف على اختلال الاستطاعة ، لينتفي بذلك وجوب الحج المانع من رجحان متعلق النذر ، وحينئذ يكون متعلقه راجحا ، فيجب الوفاء به.
وتبين أيضا إن وجوب الحج موقوف على مرجوحية متعلق النذر لينتفي بذلك وجوب الوفاء بالنذر المانع من تحقق الاستطاعة ، وحينئذ تكون الاستطاعة حاصلة.
والمتحصل في هذا الحال هو توقف كل من الوجوبين على انتفاء الآخر ، وهو واضح.
وهل المقام حينئذ من باب التزاحم أو التعارض أو التوارد؟. احتمالات. والتحقيق إنه من الأخير.
أما كونه ليس من باب التزاحم (١) فلأن مورد التزاحم ، الملاكان المحرزان الثابتان في حق مكلف واحد ، لا تتسع قدرته إلا لأحدهما ، كإنقاذ الغريقين ، اللذين يعلم المكلف بوجوب إنقاذهما عليه ، ولذا ، لو قدر على إنقاذهما معا وجب والمقام ليس منه بالضرورة ، لأنه في فرض تمامية ملاك أحدهما
__________________
(١) لاحظ قاعدة ق ٥٠ ضابط التزاحم وما يتعلق به ص ١٨٠ من هذه المسودات.