لا ملاك للآخر بوجه من الوجوه ، لأنه إذا كان المنجز في حقه ، هو وجوب الوفاء بالنذر ، كشف ذلك عن كونه عاجزا عن الحج ، والعاجز غير مستطيع ، ولا يجب الحج على غير المستطيع. وأما كونه ليس من باب التعارض بين الدليلين ، فلأن مورد أدلة ترجيح الخبرين المتعارضين هو الخبران اللذان يتعذر الجمع العرفي بينهما ويتعين الرجوع فيهما إلى التساقط أو التخيير بعد تكافئهما. وما نحن فيه ليس منه ، ولو كان منه كانت النسبة بينهما نسبة العموم من وجه ، والأخبار العلاجية لا تشمل هذا النوع من الأخبار ، كما حقق في محله.
وقد اتضح مما مر أن ما نحن فيه ليس من باب التزاحم ولا من باب التعارض بل هو باب آخر ، ولنسمه باب التوارد ، أو باب الشك في تأثير أحد السببين ، لأن وجود كل منهما يكون رافعا لموضوع الآخر وواردا عليه. فلو فرض أن الاستطاعة محققة ، وإن الحج واجب ، فلا محالة يكون النذر منحلا. وبالعكس فإذا فرض إن النذر منعقد ، وإن الوفاء به واجب ، فلا استطاعة قطعا.
إذا عرفت هذا عرفت إن النسبة بين الدليلين العموم من وجه ، وإن الجمع بينهما في مورد التعارض ممتنع ، وإنه لا مجال إلا لأحدهما ، وإن حالهما ليس حال العامين من وجه ، في مثل أكرم العلماء ولا تكرم الشعراء ، بل وليس نظير الدليلين اللذين يعلم بعدم حجية أحدهما ، وإنما هو من قبيل تزاحم السببين في التأثير. وبعد الشك في كون أيهما المؤثر ، وبعد إطلاق الدليلين لفظا وامتناع الاطلاق فيهما لبا ، يعلم إما بتقييد أحدهما باطلاق الآخر بمعنى رفع اليد عن إطلاقه ، وإبقاء الآخر على إطلاقه ، وأما برفع اليد عن كلا الاطلاقين ، وهو نتيجة التساقط.
ولتوضيح الحال نقول لا ريب إن الأسباب العقلية التي تتنافى مسبباتها إذا كانت مترتبة في الوجود بمعنى تعذر وجودهما معا ، تكون متواردة ، بمعنى أنه إذا وجد أحدهما قبل الآخر أثر أثره ولم يبق مجال للآخر.
ولا ريب أن الاسبق وجودا هو المؤثر لوجود المقتضي وفقد المانع.