رابعها : وهو العمدة ، موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) ، قال سمعته يقول كل شيء هو لك حلال ، حتى تعلم أنه حرام بعينه ، فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته ، وهو سرقة ، والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك ، وهي اختك أو رضيعتك ، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة (١).
وهذه الرواية حجة في نفسها ، وقد عمل بها الفقهاء ، ولا ريب أن قوله (ع) فيها والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة ، عام بل هو من أوضح أنواع العموم في الفقه.
ولا ريب إن إطلاق الإباحة في الأشياء كلها ، وحصر عدمها باستبانة ذلك أو قيام البينة عليه ، ظاهر في بقاء تلك الأشياء على الإباحة وإن أخبر شخص واحد بعدم إباحتها.
فلو أخبره الثقة فضلا عن غيره ، بكون الثوب الذي عليه سرقة ، وتكون المرأة التي تحته هي أخته أو رضيعته ، وبان العبد الذي عنده حر باع نفسه ، أو خدع فبيع ، لم يوجب إخباره هذا تحريم تلك الأمور والأشياء كلها مثل ذلك بمقتضى منطوق الرواية ومفهومها.
ولا ريب إن هذا المقدار كاف في إثبات الردع عن العمل بخبر الواحد في الموضوعات ، وعن ترتيب الآثار الشرعية عليه ، فكيف يتوهم عدم الردع عنه ، فضلا عن تقريره.
وتوهم كون خبر الثقة استبانة يدفعه إنه لو كان استبانة لكان تعليق الحرمة على البينة في غير محله لأنها خبر واحد ثقة وزيادة ، لأن العدالة المشترطة في شاهدي البينة لا تنفك عن الوثوق النوعي بل والشخصي ، ولكان تعليق الحرمة عليه أولى من تعليقها على البينة لأنه يكون دالا على ثبوت الحرمة بها بالأولوية ، وبالجملة توهم كونه استبانة دونها توهم غريب ، لا يوافق عليه أحد ممن يتذوق
__________________
(١) الوسائل م ١٢ ب ١٤ من أبواب ما يكتسب به ص ٥٨ ح ٤.