ثالثها : الآيات : وأهمها عموم التعليل في آية النبأ ، وخلاصة ما يستفاد منه حجية الخبر الموثوق بصدوره ، الذي لا يستتبع العمل به ندامة ، على تقدير مخالفته للواقع ، ولا ريب أن ما أعرض عنه المشهور إذا عمل به المكلف ، وكان مخالفا للواقع ، كان فيه ندامة وملامة .. لأنه لا وثوق فيما أعرض عنه المشهور ، ولا سيما بعد ملاحظة ما كان عليه السلف من الورع والتثبت وقرب العهد ، فإن من كان هذا شأنهم لا يطرحون الخبر إلا لعلة لو وصلت إلينا لطرحناه. فلعله كان محتفا بقرائن أوجبت ضعفه ، وتلك القرائن وصلت إليهم ولم تصل إلينا ، وأما بقية الآيات فلم تثبت دلالتها لننظر في مقدار ما تدل عليه.
رابعها : الأخبار المتواترة معنى ، ولا ريب أنها لا تتناول ما أعرض عنه المشهور لأن الأخبار الدالة على حجية الخبر ، تكاد تكون كلها إرجاعات في موارد جزئية ، أو تقريرا في الرجوع ، وهي إنما تدل على حجية سائر الأخبار بتنقيح المناط ، أو بعدم الفصل أو بعدم الفرق عرفا ، لوحدة ما يتعدى عنه إلى ما يتعدى إليه بنظر أهل المحاورة. ولا ريب أنه لا يتم شيء من ذلك بالنسبة لما أعرض عنه المشهور. ثم إن هاهنا مناقشات مهمة.
منها : إن البناء على أن الأعراض يوهن السند ، يستلزم كون رواية الراوي الواحد حجة تارة وليست حجة أخرى ، فإن زرارة مثلا إذا روى خبرا قبله المشهور كان حجة ، وإذا روى خبرا اعرض عنه المشهور لم يكن حجة ، فيكون خبر زرارة حجة تارة وليس حجة تارة أخرى ، وهو كما ترى.
ومنها أن الشهرة ليست آية ولا رواية ، وحجيتها ليست ثابتة في هذا
__________________
ـ الحسين (ع) والذي روى فيها ، فقال : أنا أقصر وكان صفوان يقصر ، وابن أبي عمر يقصر ، وجميع أصحابنا يقصرون.
هذا عملهم وبالطبع أنهم كانوا يفتون من رجع إليهم به ، مع أن الأخبار المشتملة على الإتمام سواء كانت بنحو التعيين أو التخيير بين أيديهم ولو كان لي متسع من الوقت لراجعت تلك النصوص لأنني أعتقد أنهم من جملة رواتها.
ويعجبني تعقيب صاحب الجواهر للأخبار الصحيحة المهجورة بقوله وهذه الأخبار بين أيديهم ونحن أخذناها منهم وتلقيناها عنهم (نقل بالمعنى) ومع ذلك لم يعملوا بها.