عن عملهم به ، وأخرى بعده.
أما الموضع الأول : فربما يقال بحجيته فيه ، لأن المقتضي ، وهو عموم دليل الحجية موجود ، والمانع ـ وهو الإعراض ـ مفقود بحكم الأصل ، وربما يقال بالعدم وهو الأقوى ، وهو الذي اختاره شيخنا الوالد دام ظله في كتابه (الشذرات العاملية) المخطوط. ويمكن أن يقال أن وهن الخبر بالإعراض إن كان خارجا عن أدلة حجية الخبر بدليل خاص ، كان ما نحن فيه نظير التمسك بالعام قبل الفحص عن المخصص ، وإن كان من جهة أصالة عدم حجية الظن وقصور أدلة حجية الخبر عن شموله كما هو التحقيق ، كان نظير الرجوع للأصل قبل الفحص عن الدليل ، وهما وإن اشتركا في عدم الجواز قبل الفحص ، إلا أن الفحص بالنسبة للعام فحص عن مزاحم الحجة ، وبالنسبة للأصل فحص عن متممها ، والمناط فيهما واحد وهو العلم الإجمالي بوجود المخصصات في الأخبار وبوجود الأدلة المخالفة للأصول فيها أيضا ، وما نحن فيه نظيره ، فأنا نعلم إجمالا بعدم حجية قسم من الصحيح والموثق وهو الذي أعرض عنه المشهور ، وبعد احتمال كون المورد منه تسقط أدلة الحجية بالمعارضة ويكون المرجع أصالة عدم الحجية لعدم إحرازها حينئذ ، وبعبارة أوضح أنا نعلم إجمالا بإعراض الأصحاب عن جملة من النصوص الصحيحة والموثقة ، ونعلم بعدم حجية هذا الصنف والعلم الإجمالي منجز إذا استلزم مخالفة عملية ، ونفس الفتوى بمضمونه مخالفة عملية لأنها إخبار عن حكم الله بغير علم (١).
__________________
(١) العلم الإجمالي بوجود خبر أعرض عنه المشهور في جملة من الأخبار له صور فإنها تارة تكون مشتملة على أحكام الزامية مخالفة للاحتياط من حيث العمل ، ولا ريب في منجزيته حينئذ للزوم المخالفة العملية.
وأخرى لا تكون مخالفة له من حيث العمل ، ولكنها مخالفة من حيث الفتوى ولا ريب أيضا في منجزيته من هذه الجهة للزوم المخالفة العملية من حيث الفتوى.
وثالثة تكون المخالفة من حيث الالتزام ، والتحقيق أن وجوب الموافقة الالتزامية لا دليل عليه مطلقا ، فضلا عن مثل المقام وحينئذ فلا مخالفة لأنها فرع لثبوت ما يخالف.
ورابعة تكون الأحكام ليست إلزامية وحينئذ فإن بنينا على التسامح في أدلة السنن كان الأمر سهلا ، وإلا فالحكم فيه كالحكم في الصورة الثانية لثبوت المخالفة العملية من حيث الفتوى حينئذ ، ولو كانت الوقائع بعضها إلزامي وبعضها غير إلزامي ، أو كانت كلها إلزامية ولا يلزم منها مخالفة عملية