خامسها : إن معنى تعارض الامارتين هو تكاذبهما لكون كل منهما حجة في مدلوله المطابقي والالتزامي ، المستلزم للتناقض في نفس دليل الامارة ، ومعنى تعارض الأصلين هو لزوم المخالفة لدليل الحكم الواقعي. ففي باب الامارتين يعلم بالتكاذب ، وفي باب الأصلين لا يعلم بالكذب ولا بالتكاذب.
والسر في ذلك أن الأصل ليس حجة في مدلوله الالتزامي العقلي والعادي ، لكونه حينئذ مثبتا فلا يعارض الآخر ، وليس فيه طريقية ، فلا يتصف بالكذب ولا بالتكاذب بخلاف الامارتين فإن كلا منهما حجة في مدلوله المطابقي والالتزامي.
وينبغي أن يعلم إن المخالفة العملية موجودة في موارد تنجز العلم الاجمالي ، حتى التي تنحصر بعد التنجز في فرد ، وتوضيح ذلك في محله (١).
سادسها : لا يخفى أن العلم يكون دائما جزء الموضوع في الأحكام العقلية ، لأن العقل لا يحكم إلا بعد إحراز مناطاته ، وإدراك موضوعات أحكامه إدراكا كاملا ومن ثم كان الشك في الموضوع يستدعي ارتفاع حكم العقل جزما لانتفاء الموضوع المركب بانتفاء جزئه. وحينئذ ففي ظرف الشك لا حاجة للرجوع إلى الأصول من الاستصحاب أو البراءة أو الاشتغال.
وأما الأحكام الشرعية فإن أخذ العلم فيها جزء الموضوع ، كان حالها حال الأحكام العقلية .. وأما إذا كان موضوعها الواقعة المرسلة الشاملة بنتيجة الاطلاق لصورتي إحراز الموضوع والشك فيه ، فإن مقتضى القاعدة الأولية فيها هو الاحتياط ، لأن المقتضي له موجود والمانع مفقود ، ولأن العقل هو المحكم في شئون الامتثال وبعد اطلاعه على حرمة الخمر تفصيلا ، لا يرى الجهل بخمرية هذا المائع عذرا ، ولكنه لا يحيل جعل الأحكام الظاهرية في باب الشبهات البدوية الموضوعية. وأما الشبهات الحكمية فربما يكون الأمر فيها أوضح ، لأن الحكم غير محرز بنظر العقل ليحرك العبد على امتثاله ، وقد عرفت إن العلم جزء الموضوع عنده ، فوجوب الاطاعة موقوف على إحراز حكم ليتحقق الحكم