الموضوعية على أدلة الواقع ، فكأنها أخرجتها عنها إخراجا تعبديا ، وأما الشبهات الحكمية فبما يشبه ذلك.
وقد جمع بينهما في تقريرات شيخنا الكاظمي الخراساني رحمهالله باختلاف المرتبة بدعوى دفع أدلة الواقع عن التأثير في مرحلة الشك ، لضعف ملاكاتها. فمعنى أصل البراءة مثلا هو دفع المقتضيات عن التأثير في صورة الشك والجهل ، أو كشفها عن عدم قابليتها للتأثير. وذلك وإن استلزم التخصيص بالنسبة للادلة الواقعية ، إلا إننا قد نلتزم به ، وقد نعتذر عنه.
وبالجملة : دعوى تخصيص الأدلة الأولية يستلزم اختصاص الأحكام بالعالمين ، ويستلزم التصويب ، ويستلزم أجزاء الأحكام الظاهرية ، إلا أن يفرق بين التخصيص وبين ما نحن فيه ، بأن التخصيص يكشف عن كون المراد هو ما عدا الخاص من أول الأمر حتى في مرحلة الاقتضاء ، بينما يلاحظ هنا إن المراد في مرحلة الاقتضاء باق على سعته وشموله ، ولكنه في مرحلة الفعلية والتنجز لا يؤثر مع الجهل والشك ، وقد جمعنا بينها بجمع آخر ، فليلاحظ في القاعدة التي خصصناها لهذه المشكلة المعضلة.
تاسعها : العلم الاجمالي بالتكليف المنجز ، كالعلم التفصيلي في الداعوية إلى متعلقه ، ويستحيل الجعل فيه نفيا أو إثباتا. ومن أجل ذلك لا تجري الأصول في أطراف العلم الاجمالي المنجز ، لأنه يلزم من جريانها المخالفة العملية لدليل التكليف ، ولكن ربما يمنع مانع عن فعليته أو عن تنجزه ، فتبطل هذه الداعوية ويرتفع أثرها كما إذا كانت المخالفة العملية اليقينية غير ممكنة. فلو دار أمر الواقعة الواحدة الجزئية أو الكلية بين الوجوب والتحريم ، ولم يكن أحدهما أو كلاهما تعبديا كدوران حكم تدخين (التبغ) مثلا بين الوجوب والحرمة ، وكما لو علم مثلا أنه حلف إما على ترك وطء زوجته عصر الجمعة ، وإما على وطئها في ذلك الوقت ، فإن المخالفة اليقينية في المثالين متعذرة ، وحينئذ يمكن الرجوع للأصول الحكمية أو الموضوعية ، وإن علمنا بعدم موافقتها للواقع لأنها لا تستلزم مخالفة عملية ، فنقول حينئذ بإباحته ظاهرا أو بالتخيير مثلا ، أو بالوقف ، أو بترجيح جانب الحرمة ، هذا بالنسبة للشبهة الحكمية ، كما في مثال (التبغ) ،