المبنى وكيفية الابتناء ، قد يترك الطالب النبيه عرضة للشك ، أو للتقليد الأعمى ، فيكون مجتهدا مقلدا من حيث لا يحتسب ، وإذا لم يفهم المبني والابتناء غمره اليأس واعتقد إن الاجتهاد بعيد المنال ، وأصبح عدوا للاجتهاد والمجتهدين ، وللتدريس والمدرسين ، بل عدوا للكتب الدراسية ، ثم لا يقف عند هذا الحد ، بل قد يعلن الثورة على علم الأصول وعلم المعقول ، وعلى كل تحقيق وتدقيق.
إن إتقان هذه القواعد يحل المعقدات العلمية ، ويسهل الوصول إلى النتائج ، ويجعل الاجتهاد قريب المسافة ، ولا سيما مع حسن العرض ، وبساطة البيان.
وإن إهمال هذه القواعد هو الذي أوجب انقطاع كثير من الطلاب عن القافلة وانصرافهم إلى استقراء الأخبار والأقوال ، أو انصرافهم عن الفقه والأصول إلى الأدب واللغة.
وإن النظر في السلسلة التي تبتني عليها الأحكام ، وإقامة البرهان على كل حلقة منها يضمن سلامة النتائج ، ويقلل النزاع ، ويقرب المسافة بين المتخاصمين ، ويكون صاحبها مجتهدا معذورا عند الله سبحانه ، لأن خطأه يكون ناشئا عن قصور ، لا عن تقصير ، والقاصر عاجز ، وعقاب العاجز قبيح عقلا.
فطول النزاع ، والانتقال من مبنى إلى آخر ، وتمسك كل منهما أو أحدهما بقول عالم من العلماء والمطالبة بنظائر المسألة ، دليل على العجز والضعف ، وعلى أن أحد المتخاصمين أو كلاهما ، لم يفرغ من مباني المسألة.
ولو كان هؤلاء ، ممن أتقن مباني الصغريات والكبريات ، لكان لخلافهم حد ، ولوقف النزاع عند أحد المبنيين في السلسلة.
والجدل الصحيح الذي يسير على هدى المنطق العالي يجب أن يكون في الكبريات أو الصغريات ، فإذا اتفقوا عليها جميعا التقوا في النتيجة. وإذا