اختلفوا في واحدة منها ، افترقوا من هناك ، ولم يلتقوا أبدا إذا كانت النتيجة تختلف باختلاف المبنى.
وإن كثيرا من الناس ، يبادرون إلى إنكار النتائج وإلى معارضتها بالنقوض ، وليس ذلك إلا لأن حظهم من الفضل يسير ، ولأنهم يجدون النتائج لا توافق وجدانهم ، ويحتجون أحيانا بالوجدان ، وينسون إن وجدان الشخص لا يكون حجة على آخر وأن للآخر وجدانا كما لهم وجدان ، وأن العلوم النظرية ترتكز على مقدماتها لا على الوجدان.
ولو كانت كلها وجدانية كزوجية الأربع ، وانقسام كل زوج إلى متساويين ، لما اختلف اثنان ، ولما ألفت الكتب ولما شيدت المدارس.
وإن رمي كثير ممن يدعي الاجتهاد بأنهم ليسوا مجتهدين ، نشأ من إهمالهم لهذه القواعد ، فاضطر هؤلاء ـ في مقام الدفاع عن أنفسهم ـ إلى دعوى الاستغناء عن الأصول والمعقول ، وعن هذه القواعد وعن كل تحقيق وتدقيق.
وإذا طولب أحدهم بترجيح أحد المبنيين أو المباني ، وبإقامة البرهان على ذلك ، يضطر للاحتجاج بقول عالم من العلماء ، ثم يبادر لاحضار الكتاب.
ومتى كان المجتهد يرى أن من يخالفه في الرأي أعلم منه؟. ومتى كان قول عالم يخصم العالم الآخر؟.
والذين قعدت بهم هممهم عن التحليق إلى هذا المستوى صرفوا طاقاتهم العالية في الاستقراء والتتبع. والاستقراء ـ وإن أتعب البدن ـ إلا أنه بمستطاع كل واحد من أهل العلم ... وإن هؤلاء ليسوا مجتهدين بالمعنى الصحيح وإن كان ثمة اجتهاد ، فإنما هو في أدنى مراتبه ، وفي غير الأمور النظرية.
والواحد من هؤلاء يكون مجتهدا في مقام الاستظهار من رواية لا معارض لها أو في الجمع بين روايتين ... وليس مجتهدا في تقسيم المرجحات ولا في ترتبها ، ولا في التعدي من المرجحات المنصوصة إلى غيرها ، ولا في اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص ، ولا في اقتضاء النهي في العبادة الفساد في أكثر